[إثبات إرادة العباد وحدوثها]
  وقال أبو الهذيل والإسكافي(١) ومعمر وجعفر بن حرب وعيسى الصوفي بل توجبه أي تولده كالسبب يولد المسبب أي النظر يولد العلم.
  قلنا: السبب إذا ولّد في غير محله فمن حقه أن يكون بينه وبين ما تولد فيه مماسة له أو لما يماسه هكذا ذكره في الدامغ وهو بناء على أن السبب يولد المسبب ويؤثر فيه وقد بطل تأثير غير الفاعل بما مر في المؤثرات.
  وقالت (المجبرة: لا) أي ليس للعباد إرادة يحدثونها بناء منهم على مذهبهم المنكوس أنه لا فعل للعبد البتة، وأن الأفعال كلها من الله جل وعلا عن ذلك علواً كبيراً.
  (قلنا) في الرد عليهم: (لا ينكرها عاقل) إذ هي معلوم حصولها منهم على حد حصول أفعالهم المرادات فإنكارها إنكار للضرورات كما سبق ذكره.
  (وقد) أكد هذه الدلالة السمع حيث (قال الله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا}[الزمر: ١٩])، فنسب المشيئة إلى العبد والمشيئة هي الإرادة.
  (وقال تعالى): {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ (وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ٦٠}[النساء])، فنص سبحانه وتعالى أنهم يريدون وأن الشيطان يريد إضلالهم.
  (وهي) أي الإرادة (من العباد) لأفعالهم (توطين النفس على الفعل) أي تشوق النفس وميلها إليه والعزم على فعله، ولأفعال غيرهم تشوق النفس وميلها إليه كما سبق تحقيقه في كلام الإمام يحيى #.
  (أو) توطين النفس على (الترك) أي ترك الفعل منهم أو من غيرهم كما ذكرنا.
(١) محمد بن عبدالله أبو جعفر الإسكافي العالم الكبير، له كتاب في فضل أمير المؤمنين #، عداده في الشيعة. (الجداول الصغرى باختصار). ذكره في المنية والأمل من الطبقة السابعة من المعتزلة وقال: مات الإسكافي سنة أربعين ومائتين.