[معنى الاختبار والابتلاء]
  وبدينهم معتصمون ولهذا مدحهم الله سبحانه بقوله: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ١٤٦}.
  وقيل: المعنى: وكثير من الأنبياء قتلوا ومعهم ربيون كثير فما وهنوا لقتل أنبيائهم ولا ضعفوا ولا استكانوا بل ثبتوا على دينهم وشمروا في جهاد عدوهم؛ لأنهم على تمكن في دينهم ورسوخ في يقينهم.
  إذا عرفت ذلك فاعلم أن الاختبار والابتلاء من الله سبحانه وتعالى مجاز عبر به عن الامتحان والتمييز كما أشار إليه الإمام # بقوله: (فشبه) الله (الامتحان) الذي يمتحن به عباده في دار الدنيا (لتمييز) أي لأجل تمييز (صادق الإيمان) أي الراسخ إيمانه (من المتلبس به) أي بالإيمان وهو (على حرف) أي طرف لم يكن إيمانه براسخ (بالاختبار) أي شبه الله ذلك الامتحان باختبار الجاهل من المخلوقين لمن يريد الوقوف على حقيقة أمره، (فعبر الله تعالى عنه) أي عن الامتحان (بما هو بمعناه) أي بمعنى الامتحان وهو الاختبار (من نحو قوله تعالى: {وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}[محمد: ٣١]) أي نختبركم بالتكاليف الشاقة والمصائب في الأموال والأنفس ونحو ذلك فيتميز بذلك من هو ثابت الإيمان عمن هو متلبس به وهو على شفا جرف هار بما يظهر من الأعمال والله سبحانه عالم بذلك قبل ظهوره؛ إذ هو جل وعلا عالم الغيب والشهادة وهو العزيز الحكيم.
  (لا أنه تعالى اختبرهم) أي الممتحنين من عباده مثل (اختبار الجاهل) لما يؤول أمرهم إليه؛ لأن الجهل على الله تعالى لا يجوز.
  وكذلك ما جاء في القرآن مثل هذا من نحو قوله تعالى في قصة أهل الكهف: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ١١ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا ١٢}[الكهف]، أي ليظهر متعلق العلم.
  وقوله تعالى: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ٣}[العنكبوت]،