شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في الدلالة على أن الله تعالى عدل حكيم

صفحة 151 - الجزء 2

  ضاقت عنها حواصلهم ولم تتسع لقبولها فطنهم إما أن تكون حسنة أو قبيحة فإن كانت حسنة فهذا هو مقصودنا فلا معنى لإيرادها طعناً علينا في الحكمة.

  وإن كانت قبيحة فلا بد لها من وجه لأجله تقبح وهو لا يخلو من أوجه ثلاثة إما لأجل تمكينهم، وإما لأجل تكليفهم، وإما لأجل ترك منعهم عن المعصية بالقسر والإلجاء وهذه الوجوه كلها باطلة.

  أما الأول: وهو أن يكون قبحها لأجل تمكينهم فلأن خلق القدرة والشهوة والعقل فيه نهاية الإحسان إليهم وأبلغ ما يكون من التفضل عليهم فكيف يقال إنه قبيح.

  وأما الثاني: وهو أن يكون قبحها لأجل تكليفهم فهذا خطأ؛ لأن العقول مشيرة وقاضية بحسن التعريض للمنافع السنية والدرجات العلية.

  وأما الثالث: وهو أن يكون قبحها لأجل تركه لمنعهم بالقسر والإلجاء فهذا خطأ لأن معقول التكليف وحقيقة ماهيته لا يمكن تصورها إلا مع تردد الداعي وحصول الاختيار في الفعل والترك، والقسر والإلجاء يناقض ما ذكرناه من الاختيار فلو منعهم بالإلجاء والقسر لكان ناقضاً لغرضه في تكليفهم.

  فهذه الوجوه التي يمكن أن يقال: إنها وجه في قبح هذه التخلية قد أبطلناها فثبت أنه لا وجه لقبحها فيجب أن تكون حسنة وهذا هو المطلوب.

  الشبهة الثالثة: قالوا: من كان له عبيد وإماء أمرهم بخدمته ونهاهم عن معصيته ثم أمر عقيب ما أمرهم ونهاهم من يستفسدهم عن امتثال أوامره ويخذلهم عن تحصيلها ويغريهم بمواقع مناهيه وارتكابها ومكنه من ذلك وأعطاه القدرة عليه فإن كل عاقل يعلم بالضرورة قبح ما هذا حاله وبعده من السفه والعبث.

  قالوا: وهذه الصورة بعينها حاصلة في حق الله تعالى بخلقه للعباد وتكليفهم وخلق إبليس وتمكينه من إغوائهم وإضلالهم وهذا يناقض الحكمة ويقضي بفسادها.

  والجواب والله الموفق: من أوجه ثلاثة: