شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في الدلالة على أن الله تعالى عدل حكيم

صفحة 150 - الجزء 2

  المائدة من غير مرجح، والهارب إذا عن له طريقان سلك إحداهما لغير مرجح، فأين الدليل على أن الفعل لا يحصل إلا عند وجود المرجح؟

  الشبهة الثانية: قالوا: العقلاء يستقبحون من كل إنسان أن يفعل فعلاً لغرض من الأغراض مع حصول علمه اليقين أنه لا يفضي إلى ذلك الغرض وإنما يفضي إلى ضده ونقيضه فإن من جمع بين عبيده وإمائه في دار واحدة وشدد الشهوة في حقهم ثم قال: غرضي بذلك أنهم يمتنعون عن الفساد والمعصية لكي يستحقوا التعظيم والإحسان من جهتي بسبب ذلك الامتناع مع أنه يعلم يقيناً أنهم لا يمتنعون بل يرتكبون الفواحش فإنه يستقبح منه هذا الفعل.

  قالوا: وهذه الصورة موجودة بعينها في حق الله تعالى فإنه قد فعل لعباده هذا الفعل وهذا يبطل الحكمة ويفسدها.

  والجواب والله الموفق: أما أولاً على سبيل الجملة فنقول: لما ثبت ببرهان العقل حكمة الله بالأدلة التي أسلفناها وثبت أن الفعل من جهته تعالى وجب أن يقضي بحسنه وإن كان وجه المصلحة غائباً عنا فيه إذ لو قضينا بقبحه لكان نقضاً لقاعدة الحكمة وإبطالاً لأصلها وهذا محال فسقط ما توهموه في هذه المعارضة.

  لا يقال: إن دليل الحكمة لا يمكن إفادته للعلم اليقيني إلا إذا كان سالماً عن المعارضة فإذا كانت هذه المعارضة لا يمكن جوابها إلا بالرد إلى الحكمة والحكمة لا يمكن تقريرها إلا بعد الجواب عن هذه المعارضة لزم الدور وهذا محال.

  لأنا نقول: هذا فاسد بل الحق أن أدلة الحكمة قد فرغنا من تقريرها وتحقيقها وليست متوقفة في ثبوتها على دفع هذه المعارضة لأنا قد قررنا في باب النظر أن الدليل في إفادته لمدلوله لا يتوقف على نفي المعارض له، وإذا كان الأمر كما قلناه أمكننا أن نرد ما غمض علينا وجه المصلحة فيه إلى الحكمة ونحيله عليها وليس فيه دور كما ظنوه.

  وأما ثانياً: على سبيل التفصيل فنقول: ليس يخلو حال هذه التخلية التي