(فصل): يذكر فيه # بيان وجه الحكمة في خلق المكلفين وسائر المخلوقين وما يتصل بذلك
  وعن الجهاد، ولكان من أراد الاستئجار على الأعمال يستوعب ماله للأجرة، وقد قال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ٣٢}[الزخرف]، فأنعم الله على المالك بملكه للمملوك وسخره له في دنياه فإن صبر العبد على هذه البلية وأطاع ربه أعاضه الله في الآخرة وكان الثواب له نعمة آجلة وملك سيده له نعمة عاجلة والنعمة الآجلة خير من النعمة العاجلة ولأن العاجلة فانية والآجلة باقية فصح أن ملك المملوك نعمة للمالك والمملوك.
  ومما خُوِّل الإنسان أثمان الأشياء المبيعة وهي الذهب والفضة وكذلك اللؤلؤ والياقوت وأشباه ذلك وجعلها قليلة بعيدة المتناول؛ لأن في قلتها نفعاً وفي كثرتها ضرراً أما النفع في قلتها فلأن تكون عزيزة عند الناس محبوبة لأنها لو كثرت حتى تكون كالحجارة لما بلغ أحد بها غرضاً ولا قُبِلَت منه ثمناً لشيء، ومن هاهنا أنها لو كثرت لكان في كثرتها ضرر.
  ولأنها لا تقتات وصح أن النفاعة بسبب قلتها فلو كانت تقتات بنفسها لكان في قلتها ضرر ولمَّا كان ما يقتات ولا يستغنى منه إذا قل وانقطع هلكت الناس وتلفوا جعله الله كثيراً رخيصاً يمكن كل إنسان طلبه ممن له قدرة ومن لم يكن له قدرة على طلبه سهله الله له.
  ومما يوضح ما ذكرنا من جزيل النعمة والكرم من الله والرحمة أن كل ما كان لا حياة للناس إلا به أنه كثير رخيص من ذلك الطعام والماء واللبن والصوف والوبر وليس كذلك الذهب والفضة والدُّر وما كان من جنسه والمسك والعنبر وما كان من جنسهما والحرير والخز.
  إلى أن قال #: فإن قيل: لم جعل الله الرزق يقل ويكثر ويتيسر وحيناً يتعسر وجعل أكثر الرزق في الضرب في الأرض والتكسب والطلب والتجارة