شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): يذكر فيه # بيان وجه الحكمة في خلق المكلفين وسائر المخلوقين وما يتصل بذلك

صفحة 175 - الجزء 2

  وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ١٥ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ١٦ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَّكَّرُونَ ١٧ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ١٨}⁣[النحل].

  ومما فطر الله العبد عليه وكذلك غيره من الحيوان كله استجلاب المنافع العاجلة والنفار عن المضار العاجلة، وفطر بعض الحيوان على الحاجة إلى الأكل والشرب والنوم والجماع، وجعل للحيوان آلة يبلغ بها الأشياء رحمة منه ونعمة وجعل ذلك سبباً لحياته وهي أفعال الحيوان وليس لله فيها فعل غير الإلهام والاستطاعة التي أعطاه على فعل هذه الأشياء والحاجة الداعية إلى فعل الأشياء إلا النوم فإن الحيوان مضطر إليه وليس له فيه إلا التعرض له وهو عرض ضروري يغشيه الله الحيوان.

  ومما يبين لك أنه ضروري أن الإنسان قد يريد أن ينام ويتعرض لذلك في بعض الأوقات فلا يحصل له النوم، وقد أيضاً يغشيه الله النوم ويريد أن لا ينام فلا يتم له ذلك في بعض الأوقات فيغلبه النوم فصح أنه ضروري، قال الله تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ}⁣[الأنفال: ١١]، وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}⁣[الروم: ٢٣]، فلو كان اختياراً للعبد لم يكن آية من آيات الله.

  واعلم أن فيه منافع للعبد ونعماً من الله تعالى منها الاستراحة، ومنها السكون لهضم الطعام، ومنها أنه يشغل كثيراً من الناس عن المآثم والفساد، ومنها أنه دليل على الموت ومُشَبَّه به ومذكر للموت قال الله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ٤٢}⁣[الزمر]، ومما فطر الله عليه المكلف استحسان الحسن واستقباح القبيح وهو العقل الغريزي وهو عطية من الله ونعمة من أعظم النعم والعطايا ولولا هو ما عرف المنعم ولا عرفت النعم، وهو حجة الله على عباده إلى غير ذلك من النعم التي تفضل الله سبحانه بها على عباده.