[تفسير الأجل المحتوم والمخروم]
  كُلُّ ما كان يجب فيه القصاص أو الدية أو كان قصاصاً بذاته، أو حداً، فهذا الأجل من فعل العباد، ولا يُنسب إلى الله تعالى؛ ولأن الله قد أعطى العباد الاستطاعة على فعل الطاعة وعلى فعل المعصية، وعلى فعل الشيء وتركه، ومكّنهم وخلَّاهم للبلية. وقد يصرف التَّعدّي والظلم عن بعض خلقه لمصلحةٍ في ذلك، ويكون الصّرف منه باللطف، ويكون بالقهر كصرفه لفرعون عن موسى # في صغره باللطف، فإن الله أوجد له في قلب فرعون وقلب امرأته رحمةً ورأفةً، وصرفه عنه في كبره بالقهر حين فرق له البحر فأنجى وَليّه وأغرق عدوه، وذلك لِمَا أراد من موسى # من تبليغ الرسالة والهدى للناس من الجهل والضلالة والردى. وكذلك إبراهيم # رُمِيَ به في النار فجعلها الله برداً وسلاماً، وكذلك عيسى بن مريم # فإن الله فداه ببعض الذين أرادوا قتله.
  فأما من لم يصرف عنه ظلم ظالمه فوجه الحكمة في هذه البليّة من الله أنه يعيض القتيل المؤمن المظلوم في الجنة ثواباً عظيماً، ويُعذّب الظالم له عذاباً أليماً.
  إلى أن قال #: واختلفت الناس في الآجال فذهبت المجبرة ومن قال بقولهم إلى أن الآجال كلها محتومة من الله تعالى وأنه لو لم يكن من الجاني جناية لمات المجني عليه في ذلك الوقت، واستدلوا بقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً}[آل عمران: ١٤٥]، وبقوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ٣٤}[الأعراف].
  قال #: والرد عليهم: إن الله نهى عن قتل النفس التي حرم الله فقال تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة: ٣٢]، فلم يكن الله ليحرم قتل النفس ويأذن به ولا كان يعذب القاتل على فعل غيره.
  وقوله: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} المراد به من منعها من القتل وصرف ظلم الظالم عنها.