(فصل): في ذكر فناء العالم وكيفيته
  فأما الفلاسفة فلا معنى للكلام عليهم هاهنا لأن الكلام في فنائها إنما يتوجه على من يقر بحدوثها. انتهى.
  وقد أشار الإمام # إلى ذلك حيث قال: (أئمتنا $ والجمهور) من المعتزلة وغيرهم: (ويفني الله العالم)، واعلم أنه لا خلاف بين أهل الإسلام في فناء العالم وإنما اختلفوا في كيفيته على ثمانية وعشرين مذهباً ذكره في شرح الأبيات الفخرية.
  واختلفوا أيضاً فيما به يعلم: فقال بعضهم: يعلم بالسمع فقط والعقل لا دليل فيه عليه وهو قول أبي هاشم وقاضي القضاة.
  وقال بعضهم في العقل دليل على معرفته كالشرع وهو قول أئمة أهل البيت $ وأبي علي وأصحابه، وهو الحق ووجهه عند أئمة أهل البيت $ ما ذكره الهادي # في البالغ المدرك: فلما تصرمت أعمار المطيعين ولم يثابوا وانقضت آجال العاصين ولم يعاقبوا وجب على قود التوحيد واطراد الحكمة أن داراً بعد هذه الدار يثاب فيها المطيعون ويعاقب فيها المسيئون وهذه أمور أوجبتها الفطرة واستحقت بالإيمان إلى آخر كلامه #.
  وقال الإمام أحمد بن سليمان #: واعلم أن الله لما ثبت أنه عدل حكيم عالم وأنه لا يهمل الخلق ولا ضيع التدبير ورأينا الناس ظالماً ومظلوماً.
  إلى قوله: ورأينا العاصين مطلقين لما قيد المطيعون ورأيناهم في دنياهم أهل نعم وتنعم وأهل ثروة في المال وهيبة في الدنيا وجمال فلما رأينا الظالمين العاصين ماتوا ولم ينتصر منهم للمظلومين المطيعين ولا عوقبوا في الدنيا ورأينا المطيعين المظلومين ماتوا ولم ينتصروا من الظالمين ولا عوقبوا لهم في الدنيا علمنا علماً عقلاً ضرورياً أن العدل الحكيم العالم جل وعلا لا يترك خلقه مهملاً ولا يضيع لعامل عملاً وأنه سَيُحدث داراً للجزاء يثيب فيها المطيعين المظلومين ويعاقب فيها الظالمين العاصين، وأنه لا يعجزه ذلك كما لم يعجزه خلق الدنيا وما فيها