[مناظرة للقاسم بن إبراهيم # مع الملحد]
  يكون العالم قديما. لأنه لا فرق بين أن يفعل ما ليس بحكيم هذا الصنع العجيب، وبين أن يقع فعلٌ لا من فاعل، والأشياء موجودة، فتكون قديمة أزلية، لا فاعل لها.
  ووجدنا هذا القول داعيا إلى التجاهل، فلما كان ذلك كذلك، صح أن الله حكيم، والحكيم لا يهمل خلقه، وإذا لم يهمل خلقه، لم يكن بدٌ من أمر ونهي، ولم يكن بدُ من مؤتمِر، وغير مؤتمِر، وكان من حكم العقل أن يفرق بين الولي، والعدو، ووجدنا أعداءه وأولياءه مستوية الأحوال في الدنيا، لأنه كما أن في الأعداء من هو موسر صحيح، ففيهم من هو معسر مريض، وكذلك الأولياء، فلما كانت في الدنيا أحوالهم مستوية، ولم يكن بدٌّ من التفرقة بينهما، صح أن دارا أخرى فيها يفرق بينهم، فيها يحيون وفيها ينشرون، إذ قد وجدت هذه الحال قد اشتملت بالكل، الولي والعدو. وذلك قوله ø: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ٢٨}[ص].
  وأما قولك: أخبرني عن كيفيتها؟ فإن الله ø جعل الروح لجسد الإنسان حياة له، كالأرض اهتزت بالماء، وتحركت بالنبات، كذلك الروح إذا صار في الإنسان، صار حيا متحركا، إذا امتزج أحدهما بصاحبه.
  قال الملحد: وكيف يمتزج الروح بالبدن وقد صار ترابا؟
  قال القاسم #: وكيف يمتزج الماء بالأرض الهامدة؟ إذا صارت قحلة يابسة.
  قال الملحد: هو أن يمطر عليها، أو يجري فيها فيتصل أجزاء الأرض بأجزاء الماء، بالمشاكلة التي بينهما، فعندها تهتز وتحرّك.
  قال القاسم #: وكذلك الروح، يرسل إلى ذلك التراب، فيماسه ويمازجه، فحينئذ يحيى الإنسان ويتحرك. أَوَلا ترى إلى بدء خلق الإنسان، كيف كان؟! أو ليس تعلم أنه كان ترابا، فلما جمع الله بينه وبين روحه صار إنسانا، فأصل خلق