(فصل): [وجوب معرفة الرسل على المكلفين]
  والوجه الثاني: أن قولهم إنهم إذا جاءوا بما يخالف العقل فهو قبيح إن عنوا بمخالفته له أنه لو انكشف للعقل حاله لقضى بقبحه فنحن كذلك نقول فإنه لا يجوز أن يأتوا بما لو انكشف للعقل حاله لقضى بأنه ظلم وفساد أو جهل أو عبث أو غير ذلك من مقبحات العقل.
  وإن عنوا أنه قبيح أنه منفور عنه وإن كان لو انكشف للعقل حاله لقضى بحسنه فإن ذلك لا يصح لأن ما هذه حاله فهو حسن لاختصاصه بوجه الحسن وهذه حال هذه العبادات الشرعية نحو الصلاة مثلاً والحج وما أشبه ذلك فإنها مختصة من الخضوع والتذلل لله ø بما يدعو إلى ترك التجبر والتكبر الذي يقبح من جهة العقل ويستنكر وهذا الجواب على البراهمة على تقدير أنهم اكتفوا بالعقل عن الرسول.
  وأما على تقدير أنهم اكتفوا بالوصاية على ما رواه القاسم # فالجواب عليهم ما ذكره القاسم # وهو: أنه لو كان الهدى في كل فترة كاملا موجودا، ولم يكن إمام الهدى في كل أمة مفقودا، لما جاز أن يقال لفترة من الفترات فترة، ولا كانت للجاهلية في أمة من الأمم قَهَرة، وقد ذكر الله لا شريك له أنه لم يرسل محمدا # إذ أرسله، ولم يرسل من أرسل من الرسل قبله، إلا في أمة ضآلة غير مهتدية في دينها لحظها، ولا مستحقة على الله بإصابة رشدٍ لحفظها، ولكن رحمة منه سبحانه لها وإن ضلت، وإحسانا منه إليها في تعليمها إذ جهلت، كما قال [الله] سبحانه: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}[البقرة: ٢١٣]، فأخبر سبحانه أنهم كلهم كانوا ضالين غير مهتدين. ولو كان فيهم حينئذ وصي وأوصياء، لكان فيهم يومئذ لله ولي وأولياء، ولما كان مع ذلك، لو كان كذلك، أن يقال لهم: أمة واحدة، لأنهم فرق متضادة، لا تجمعهم في الهدى كلمة، ولكنهم في الضلال أمة ... إلى آخر كلامه #.