(فصل): في ذكر نبوة نبيئنا محمد ÷
  قلنا: ويجوز نسخ ما قرن بالتأبيد لأنه يجوز تخصيصه والنسخ نوع من أنواع التخصيص.
  وأيضاً فإن لفظ التأبيد فيه لم ينقل بالتواتر لأن الخبر في نفسه مشتبه والنصارى مع إقرارهم بالتوراة وقراءتهم لها وتعظيمهم لموسى لا يروون ما ادعيتم من السبت في التوراة، وإذا كان غير معلوم لم يجز الاعتماد عليه.
  وأيضاً فإن من اليهود فرقة لا يعتمدون في إنكار نبوة محمد بامتناع النسخ ويقولون بأن القول بأن السبت لا ينسخ مشتبه غير متحقق.
  قال: وأما من قال إن محمداً ÷ رسول إلى العرب فالحجة عليه أنه إذا أقر بأنه نبي صادق سواء كان إلى العرب أو إلى غيرهم وجب أن يكون قوله حقاً وكتابه الذي جاء به حقاً، وقد ثبت أن كتابه يشهد بأنه رسول إلى الكافة.
  قال: فإن قيل: وكيف يمكنهم معرفة معجزته وهم لا يعرفون اللغة العربية ولا مقدار فصاحة القرآن وأنها بلغت حداً تعجز عن مثلها العرب؟
  قلنا: إن معجزاته ÷ على ضربين أحدهما يعرف كونه معجزاً كل عاقل سواء كان عربياً أو عجمياً وسواء كان مشاهداً لها أو غائباً بالأخبار المتواترة وهي ما عدا الإعجاز في القرآن من نحو ما ذكرناه من سائر معجزاته #.
  وثانيهما القرآن وما من أحد أيضاً إلا ويمكنه أن يعرف كونه معجزاً وإن اختلفت طريق المعرفة لذلك فالعرب الذين لغتهم لغة القرآن يعرفون كونه معجزاً بأنهم عجزوا عن الإتيان بمثله ضرورة، ومن عداهم من العجم في زمانهم ومن سائر العرب في زمانهم يعلم أنه معجز لتواتر الأخبار بأن العرب كانت عجزت عن الإتيان بمثله على عُلُوِّ فصاحتهم وتبجحهم بها وشدة عداوتهم له وهذه طريق أكثر الأمة إلى آخر الدهر فيلزم العجم من ذلك ما يلزم العرب. انتهى ما ذكره العنسي في المحجة وقد استغنينا به؛ لأن فيه وفاء بالمقصود، ولم نذكر ما يختص بالنصارى من الطعن على نبيئنا محمد ÷.