(فصل): في ذكر نبوة نبيئنا محمد ÷
  البداء فإنه لا بد أن يكون الآمر الناهي واحداً والمأمور المنهي واحداً والفعل المأمور به المنهي عنه واحداً والوجه واحداً والوقت واحداً والمكان واحداً فبان أن أحدهما ليس هو الآخر.
  يبين ذلك ويوضحه أن النسخ جار مجرى التخصيص بالاستثناء بمنزلة أن يقول: تمسكوا بالسبت إلا أن يأتيكم محمد وبمنزلة التخصيص بالغاية كأنه قال: تمسكوا بالسبت أبداً إلى أن يأتيكم محمد لما علم أنه مصلحة في ذلك الوقت قبل محمد، وفسادٌ بعد بعثته في تلك الأزمنة إلى آخر الدهر فكما أنه يجوز التخصيص ويعقل لما كان متصلاً كذلك النسخ فإنه قد كان علم تعالى أنه إنما يأمر بالتعبد بتلك الشريعة الأولى إلى وقت مخصوص ثم ينهى عنها لأجل المصلحة المتعلقة بذلك.
  قال: وقالوا: إن موسى # قد أخبر أن شريعته لا تنسخ بقوله: تمسكوا بالسبت أبداً.
  قال: والجواب: أنا إن سلمنا هذا الخبر فمعناه ما تقدم من التزام التمسك به إلى أن تأتي شريعة ثانية ناهية عنه.
  وإن لم نسلم ذلك فوجهه أنا إذا دللنا على نبوءة محمد ÷ بما تقدم لم يصح أن يعارض بمثل هذا الخبر، بل إذا كان هذا الخبر يقتضي ألا نتبع محمداً ÷ كان هو الباطل لأن المعجز الذي ظهر على يديه معلوم وهذا الخبر غير معلوم، ولا يجوز اطراح المعلوم للمظنون.
  وإن أمكن تأويله وصح الخبر وجب تأويله، وقد بينا أنه يمكن تأويله على ما ذكرناه.
  فإن كان صحيحاً عند اليهود كان المعنى أن يتمسكوا بالسبت ما لم يأتهم نبي صادق بالنهي عنه.
  ثم يقال لهم: إنا قد بينا فيما سبق أن في التوراة النسخ فما أنكرتم أن يكون أمر بذلك ثم نسخه بمحمد ÷.
  فإن قيل: فإنه مقرون بالتأبيد.