شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في ذكر نبوة نبيئنا محمد ÷

صفحة 399 - الجزء 2

  ولولا أنهم استعانوا عليه بالعمل لقل حفظهم له وقد قال تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ٥}⁣[المزمل]، ولولا أن الله تعالى رتله ترتيلاً وحفَّظه محمداً قليلاً قليلاً كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ٣٢}⁣[الفرقان]، لأن ذلك أضبط له ولقومه وأفقه لهم.

  قال العنسي: وليس لقائل أن يقول: فإذا كان لا يحفظه إلا ستة أو سبعة فكيف يكون نقله متواتراً؟

  لأنا نقول: ذلك فيمن حفظه كله بمعرفته وسرده وإلا فالجم الغفير الذين ملأوا ما بين شحر وعمان إلى أقصى اليمن إلى الجزيرة إلى الدارة كانوا يحفظونه حفظ التجربة لا حفظ السرد وبحيث يميزون بينه إذا تلي وبين غيره لفصاحته والمعرفة به وصار للناس في تلك القراءات صلاح وسهولة وتخفيف ليكون الإنسان إذا ذهب عنه بعض الحروف كفاه ما حفظ من الحرف الآخر.

  قال: والقراءات كلها صواب وإن اختلفت المعاني سواء كان في الأوامر أو الحكايات فإنه تعالى أمر بكل ما قضت به القراءات ومخبر بما دلت عليه تلك القراءات كقوله تعالى: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ}⁣[الإسراء: ١٠٢]، بالضم والفتح فإنه مرة خبر عن فرعون ومرة خبر عن موسى وكله ثابت فإن موسى كان قد أخبر بذلك كله مرة عن علمه ومرة عن معاندة عدوه.

  وهكذا قوله تعالى: {رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا}⁣[سبأ: ١٩]، و {بَعِّد} فإن القوم كانوا سألوا ذلك فلما فعل تعالى ذلك أخبروا أنه باعد بين أسفارهم فكله صحيح فلا مطعن للملحد في ذلك ولا مدخل ولا تناقض ولا تباين.

  قلت: وسيأتي تحقيق القول في اختلاف القراءات وحكمها إن شاء الله تعالى.