[إثبات أن القراءات نزلت من عند الله تعالى]
  وظنه أنها منسوبة إلى القراء.
  ولكن لما اختار بعضهم أن يقرأ بقراءة ابن مسعود التي حفظها من رسول الله ÷، وبعضهم اختار أن يقرأه بقراءة أُبيّ، وبعضهم يقرأه بقراءة زيد وغير ذلك نسبوها إليهم لذلك والله تعالى إنما أنزل القرآن كذلك لأن يوسع ولا يضيق، ولأن بعضهم يسهل عليه حفظ لغته التي قد اعتادها وأنس بها فأقرأ ÷ كل قوم ما كان أعلق بألسنتهم وأدخل في قلوبهم ولا يختلفون إلا في اليسير من القرآن الندر في ضمن الجمّ الغفير الذي يجتمعون عليه وجعلهم # يعلمون الناس وقرأه على هؤلاء الجماعة وعلى غيرهم وصار كثير التفلُّت منهم والاشتباه عليهم والقرآن من أعسر ما يحفظ وأشق ما يضبط لما فيه من التشابه، ولأنه تعالى جعله حجة ومعجزة باهرة على خلاف ما يعتاد من فصيح الكلام ونظمه فيعسر لذلك حفظ ما لا يعتاد لولا توفيق الله ووفاؤه بما ضمنه من حفظه إلى آخر الدهر بقوله ø: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ٩}[الحجر].
  فكانوا أحوط لما تعودوا حفظه من كلامهم ويعسر عليهم كلام ربهم الذي أراد أن يجعله آية لهم، ولهذا قرأه عليهم ÷ ثلاثاً وعشرين سنة فما مات وأحدٌ يحفظه كله جميعاً إلا ستة أو سبعة منهم أبي بن(١) كعب وعبدالله بن مسعود وزيد بن ثابت وسائرهم من العرب يتعلمونه ويحفظونه حفظ المعرفة لا حفظ السرد لكن يميزون بينه إذ قرئ وبين غيره، ولا يلتبس عليهم شيء من أمره، ويرجعون إلى الحفاظ في سرده وفيهم من يحفظ أكثره وفيهم من يحفظ نصفه ومنهم أقل ومنهم أكثر.
(١) أبيّ (بضم الهمزة، وفتح الموحدة) بن كعب بن قيس الأنصاري الخزرجي، النجاري، البدري، أبو المنذر، وأبو الطفيل، سيد القراء، شهد العقبة الثانية وبدراً وغيرها من المشاهد. والأكثر أنه مات في خلافة عمر بالمدينة، ودُفن بها ¥. (لوامع الأنوار للإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي # باختصار).