فصل وخيار الشرط مشروع
  يزيده وضوحا قوله ÷ «البيعان بالخيار فيما تبايعا حتى يفترقا عن رضا» [١٢٩] أي في الشيء الذي تبايعا فيه، ولا يكون ذلك إلا بعد تمام العقد، فهذه أدلة صريحة في أن لكل واحد منهما(١) الخيار في مجلس العقد. إما إمضاء البيع أو إبطاله ما لم يفترقا عنه بأبدانهما، فإذا قال: قد اخترت لزم البيع سواء تفرقا أم لا، وليس له فسخه إلا بأحد الأمور المعتبرة شرعا، وما ذكروه من التأويل إنما يكون مقبولا مع الاحتمال، وعدم ورود ما يبطله أو ينفيه، وأما مع وروده ووضوح المعنى المقصود فليس لنا أن نعدل إلى المعنى المحتمل وندع اليقين، لما يلزم منه من مضادة الأمر الشرعي، وأما قوله تعالى {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ}(٢) [النساء: ٢٩]، {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(٣) [المائدة: ١]، {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}(٤) [البقرة: ٢٨٢]، ولم يفصل: فلا يخفى أن هذه الأدلة على فرض شمولها لمحل النزاع اعم مطلقا، فيبنى العام على الخاص، والمصير إلى الترجيح مع إمكان الجمع غير جائز كما تقرر في موضعه.
  هذا وقد اختلفوا هل للافتراق حد ينتهي إليه أم لا، والمشهور الراجح من مذاهب العلماء أن ذلك موكول إلى العرف فكل ما عد في العرف تفرقا حكم به وما لا فلا.
  فصل «٢» وخيار الشرط مشروع إجماعا، ولا يصح شرطه قبل العقد إجماعا، ويصح مقارنا إجماعا، (الناصر ثم الشافعي) لا متأخرا إلا في المجلس إذ المتأخر منفصل، ويحتمل الصحة لقوله تعالى {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ}[النساء: ٢٤]، والبيع كالنكاح، وقال به (القاسمية ثم أبو حنيفة وأصحابه).
  ولا يصح شرط الخيار مدة مجهولة بلا خلاف ويصح ثلاثا إجماعا، (الإمام زيد والإمام ثم أبوحنيفة والشافعي وزفر) لا الزيادة على الثلاث لأنه حكم ورد على خلاف الأصل فيقتصر به على أقصى ما ورد، قال الشرفي: شرط الخيار يرفع استقرار العقد فيكون كالمقيد بمستقبل فيقر حيث ورد.
  قوله: قوله ÷ «البيعان بالخيار فيما تبايعا حتى يفترقا عن رضا» رواه في المجموع والعلوم.
(١) أي من المتبايعين. تمت.
(٢) فإنها تدل على أن بمجرد الرضا يتم البيع. تمت.
(٣) لأن الراجع عن موجب العقد قبل التفرق لم يف به. تمت.
(٤): قالوا: لو ثبت خيار المجلس لكانت الآية غير مفيدة لأن الإشهاد إن وقع قبل التفرق لم يطابق الأمر وإن وقع بعد التفرق لم يصادف محلا. تمت.