باب الحجب والإسقاط
  (الهدوية) ومن عليه دين حال لم يخرج إلا بإذن الغريم لما في الحديث قال يا رسول الله ÷ مالي إن قاتلت في سبيل الله حتى اقتل؟! قال: «الجنة» فلما ولى الرجل قال رسول الله ÷: «ردوه» فلما جاء قال: «إن جبريل قال: إلا أن يكون عليك دين» [٣٦]، (ابوطالب) وهذا محمول على انه كان مطالبا بالدين وقادرا على قضائه، قلت: ونحو هذا اخرج مسلم وغيره من حديث أبي قتادة [٣٧]، ولا يخفى أن غاية ما اشتملت عليه الأحاديث أن الشهيد يغفر له جميع ذنوبه إلا ذنب الدين، وذلك لا يستلزم عدم جواز الخروج إلى الجهاد إلا بإذن من له الدين، بل إن أحب المجاهد أن يكون جهاده سببا لمغفرة كل ذنب استأذن صاحب الدين في الخروج، وإن رضي بان يبقى عليه ذنب واحد منها جاز له الخروج بدون استئذان، وقد استشهد كثير من الأئمة وهم مغرمون(١) ولم يحكى استئذانهم لأهل الدين.
  (الإمام زيد والنفس الزكية واحمد بن عيسى والناصر والداعي والمؤيد بالله والإمام أحمد بن سليمان والمنصوربالله والإمام الحسن بن إسماعيل الجرجاني والإمام يحيى والإمام ثم الحاكم أبو سعيد ثم الفريقان) وغزو الكفار إلى ديارهم جائز من غير إمام، واختاره (الأمير الحسين)، وقواه (المهدي)، قال في الزهور عن شرح الإبانة: ولا خلاف في الجواز إلا عن (الهادي #)، لقول علي # لا يفسد الحج والجهاد جور جائر - الخبر [٣٨]، ولعموم {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[التوبة: ٢٩]، {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[النساء: ٧٤]، {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}[التوبة: ٥]، (المهدي) ما لم يحصل به قوة شوكة الظالم وزيادة تعديه إذ المصلحة عارضتها مفسدة، قلت: وهو الأقرب لعموم قوله ÷: «وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه». [٣٩]
  قوله: مالي إن قاتلت في سبيل الله الخ عن أبي كريب قال: سمعت محمد بن عبدالله بن جحش وكان له صحبة يقول إن رسول الله ÷ أتاه رجل قال: يا رسول الله مالي إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل؟ قال: «الجنة»، فلما ولى الرجل قال رسول الله ÷: «ردوه» فلما جاء قال: «إن جبريل قال: إلا أن يكون عليك دين» رواه ابوطالب في أماليه.
  قوله: من حديث أبي قتادة عن رسول الله ÷ أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله ÷ فقال: يا رسول الله أرئيت إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر أيكفر الله عني خطاياي؟ فقال رسول الله ÷: «نعم» فلما أدبر الرجل ناده رسول الله ÷ أو أمر به فنودي فقال رسول الله ÷: «كيف قلت»؟ فأعاد.
  قوله: فقال رسول الله ÷: «نعم إلا الدين كذلك قال لي جبريل» رواه ابوطالب وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه واللفظ للأمالي، وعن ابن عمر أن رسول الله ÷ قال: «يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين فان جبريل قال لي ذلك» أخرجه أحمد ومسلم، وعن انس قال: قال رسول الله ÷: «القتل في سبيل الله يكفر كل خطيئة» فقال جبريل: إلا الدين فقال النبي: «إلا الدين» أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب.
  قوله: لقول علي # لا يفسد الحج والجهاد جور جائر كما لا يفسد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غلبة أهل الفسق - رواه في المجموع والشفاء.
  قوله: لعموم قوله ÷: الخ عن جابر أن النبي ÷ قال لكعب بن عجرة: «يا كعب بن عُجْرة أعانك الله من إمارة السفهاء» قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: «أمراء يكونون من بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون على حوضي» الخبر رواه ابوطالب في أماليه وفيها رواية أخرى عن ابن عباس عن ابن عجرة أخصر من هذه.
(١) مغرمون: جمع مغرم، قال في أساس البلاغة للزمخشري: وفلان مغرم مثقل بالدين. تمت.