(باب: والشريعة)
  فيقولون: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}[الأنعام: ١٠٣]، متشابه، وقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ٢٢ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٢٣}[القيامة]، محكم ونحو ذلك.
  قال (أئمتنا $ والمعتزلة وبعض الأشعرية: ويعلم تأويله) أي المتشابه الذي علينا فيه تكليف (الراسخون في العلم) لوقوع الخطاب به وذلك (بأن يحملوه على معناه الموافق للمحكم) فيردوا معنى قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ٢٢ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٢٣} إلى الآية المحكمة وهي قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} بأن يحملوا النظر هنا على الانتظار لثواب الله سبحانه ونحو ذلك كما نبه الله سبحانه على ذلك في قوله تعالى: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ}[آل عمران: ٧]، أي أصله وأُسُّه الذي يُرجع إليه، ويُرد ما خالفه في الدلالة عليه.
  وقال (بعض الأشعرية وغيرهم: لا يعلمه) أي المتشابه (إلا الله) فهو عندهم مما استأثر الله تعالى بعلمه كعدد الزبانية وحملة العرش ونحو ذلك ويرون الوقف على الجلالة في قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}[آل عمران: ٧].
  (قلنا) في الرد عليهم: المعلوم قطعاً أنا (خوطبنا به) أي بالمتشابه (والحكيم لا يخاطِب بما لا يُفْهَم) لأنه حينئذ يكون عبثاً، والعبث قبيح لا يجوز على الله تعالى، وهذا بخلاف معرفة عدد الزبانية وحملة العرش، فإنه تعالى لم يرد منا معرفة عددهم، وإنما أعلمنا تعالى أن على أهل النار زبانية موكلين بعذابهم وأنه يتولى أمر الخلائق طوائف من الملائكة ولم يخاطبنا بمعرفة عددهم، وهذا ونحوه هو مراد أمير المؤمنين علي # بقوله: «وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ هُمُ الَّذِينَ أَغْنَاهُمْ عَنِ اقْتِحَامِ السُّدَدِ الْمَضْرُوبَةِ دُونَ الْغُيُوبِ الْإِقْرَارُ بِجُمْلَةِ مَا جَهِلُوا تَفْسِيرَهُ مِنَ الْغَيْبِ الْمَحْجُوبِ فَمَدَحَ اللَّهُ [تَعَالَى] اعْتِرَافَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ يُحِيطُوا بِهِ عِلْماً وَسَمَّى تَرْكَهُمُ للتَّعَمُّقَ فِيمَا لَمْ يكلفوا الْبَحْثَ عَنْ كُنْهِهِ رُسُوخاً».
  (و) مما يدل (أيضاً) على ما ذهبنا إليه: أن (الواو في قوله تعالى: