(باب: والشريعة)
  وأما اللغة فلأنهم يقولون: سمعت كلامك، وقال تعالى: {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}[المنافقون: ٤].
  وأما الشرع فقال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ}[التوبة: ٦]، وقد ثبت أن ما عدا الأصوات ليس بمسموع كما أن ما عدا الطعام ليس بمطعوم، وما عدا الرائحة ليس بمشموم، فلولا أن الحروف هي الأصوات ما صح أن تكون مسموعة.
  قال: ولقائل أن يقول: وما أنكرتم أن المسموع لا يكون إلا عرضاً والمسموع من الأعراض شيئان: أحدهما الأصوات، وثانيهما الحروف.
  والكلام وإن كان مسموعاً فإنه من قبيل الحروف وذلك يعلم ضرورة، وما زاد على ذلك لا يعقل ولا يصح كونه مسموعاً، والكلام في ذلك مشكل والله أعلم.
  قال: ومع إشكاله يمكن أن يقال: أما الأصوات فإنها لا تكون أصواتاً إلا وهي مدركة مع صحة الحاسة وارتفاع الموانع ويعلم ذلك ضرورة فإن إثبات صوت لا يدرك لا يصح ولا يعقل.
  وأما الحروف فإنه يصح أن توجد ولا تدرك لما ذكرناه أولاً، وإنما تدرك باقتران الصوت بها فيكون الشرط في صحة إدراكها اقتران الصوت بها بدليل أن الواحد منا يمكنه أن يقرأ ويوجد الحروف في مخارجها وإن تعذر عليه الصوت لمانع ولهذا لم تسقط عنه الصلاة عند ذلك فيجري اشتراط اقتران غيرها بها في صحة إدراكها كاشتراط اقتران الجوهرية باللون في صحة رؤيته عند أصحابنا، فكما أنه لو وجد لا في محل لم يصح أن يرى كذلك في مسألتنا.
  قال: ولقائل أن يقول: إن ما يدرك في نفسه لا يشترط فيه إدراك غيره ولهذا لا يشترط في إدراك اللون إدراك الصوت.
  قال: ويمكن أن يقال: أما إذا كان مدركاً بحاسة واحدة فإنه يجوز أن يشترط