[الدليل الشرعي على وجوب الإمامة والخلاف في ذلك]
  النبي ÷ وعلى هذا توالت الأعصار بعد يوم السقيفة فإنهم كانوا يفزعون إلى الإمام ويطلبونه ويعتقدون وجوب قيامه قطعاً لصلاح أمر الأمة.
  قلت: وعندي أن هذا الإجماع من الأمة دليل لمن قال إن وجوب الإمامة بالعقل والشرع لأنهم إنما أجمعوا على مقتضى ما ارتكز في عقولهم من احتياج أمر الأمة إلى رئيس يجمع شملهم ويسد ثغورهم ويقيم شريعتهم لأنه لو كان الإجماع على مقتضى دليل الشرع لجاز أن يخالف من يخالف ممن لا يعرف دليل الشرع فيقول: لا حاجة بنا إلى الإمام رأساً فلا نحتاج إلى الاختلاف وكثرة الخبط والجزاف واختصاص بعض الأشخاص بالإمامة دون بعض ولم يُرْوَ شيء من ذلك، فهذا الذي يترجح عندي والله أعلم.
  وقد اعترض هذا الدليل بعض المتأخرين منهم صاحب المنهاج فقال: إن هذا الإجماع فعلي وإجماع الأمة على فعل لا يكون حجة على وجوب ذلك الفعل إلا إذا علمنا أنهم إنما فعلوه لوجوبه عندهم وظهر لنا ذلك؛ لأن من الجائز أنهم إنما فزعوا إلى نصب الإمام لكونه أصلح لهم في دنياهم لا دينهم أو لكونه أولى في إصلاح الدين أيضاً لا لوجوبه.
  قال الإمام المهدي # وهذا اعتراض غير واقع ولا يصدر عن فطانة فإن المعلوم ضرورة من دين النبي ÷ أنه يجب على كل مسلم نصرة الإسلام وتوهين أركان الكفر بما أمكنه، وكل عاقل يعلم ضرورة أن في بقاء الأمة بعد موت الرسول فوضى لا أمير لهم ينظم أمرهم ويجمع كلمتهم ويتفرغ لسد الثغور وإصلاح ما أفسده الجهال والضلال من الأمور هدماً لما كان ÷ قد شيده وخرقاً لما كان قد سدده.
  فإن الأمة حينئذ تكون أشبه بغنم لا يحفظها راع عن مراتع الطلب ولا يحرسها عن أن تعبث فيها الذئاب فتذهب وفرتها كل الذهاب والمنكر لذلك معاند دافع للعلم الضروري من جهة العادة لا إشكال في ذلك نعلم أنهم إنما