(فصل): في حكم الطريق إلى الإمام
  بعد نبي ونبياً بعد وصي، فجرت الوصية من النبيين إلى الوصيين إلى يوم القيامة.
  قال: وزعمت الخوارج ومن قال بمقالاتهم أن رسول الله ÷ لم يوص إلى أحد ولم يستخلف أحداً وأنه ترك ذلك حسن نظر منه لأمته لئلا يوصي بهم إلى رجل أو يستخلفه عليهم فيعصوه فيكفروا.
  فقل للخوارج: لو كان الفضل في ذلك أو كان ذلك أصلح للأمة لكان ترك بعثة الله للأنبياء والرسل إلى الأمم أصلح وأفضل لئلا يعصوهم فيكفروا.
  وسلهم عن رجلين عالمين فاضلين كانت عندهما للناس ودائع وحقوق ومعرفة لبعضهم على بعض في المواريث والصدقات وغير ذلك فحضرتهما الوفاة فأمسك أحدهما عن الوصية ولم يؤد إليهم ودائعهم ولم يدفع إليهم حقوقهم ولم يعلمهم مواضعها فيقصدوا قصدها فبقوا حيارى ومضى ذلك الرجل لسبيله فوثب القوم على خزانته وادعى كل رجل منهم ما ليس له ووثب بعضهم على بعض واضطهد بعضهم بعضاً وأخذ بعضهم حق بعض أهذا في ترك وصيته وإعلام الناس بحقوقهم وأداء ودائعهم إليهم أحرى عند الله بالنجاة يوم القيامة أم رجل حضرته الوفاة فذكر يوم معاده فنظر فيما بينه وبين ربه وعباده فأحب الخلاص مما في عنقه وقصد إلى نظيره في ورعه وعلمه وزهده فأوصى إليه بجميع ما له وعليه من أداء ما عنده من الحقوق والودائع والأمانات.
  فإن قالوا: فإن رسول الله ÷ لم يكن عليه حق لأحد ولم يخلف مالاً ولم يستودعه أحد وديعة.
  فقل للخوارج ومن قال بقولهم: فأي مال أكثر أو حق أوجب أو وديعة أضمن من وديعة الله له إياه جميع ما تحتاج إليه أمته من حلالها وحرامها إذ كان رسولاً إلى آخر أمته كما هو رسول إلى أولها فأوجب عليه لآخرها ما أوجب عليه لأولها، وأنزل عليه من الحكم للآخر مثل ما أنزل عليه من الحكم للأول.
  فإن زعموا أنه مضى ولم يستودع تلك الوديعة أحداً وحاشاه ~ فقد