[الخلاف فيما يستقل العقل بإدراكه من الحسن والقبح]
  (الأول) منهما: أن يدرك العقل حسن الشيء (بمعنى ملاءمته) أي: موافقة ذلك الشيء (للطبع) أي: طبع الإنسان (كالملاذ) أي: كل ما يلتذ به العاقل واللذة معروفة فإن العقل يحكم بحسن الملاذ أي: ميل الطباع إليها بضرورته.
  (و) أن يدرك العقل قبح الشيء بمعنى (منافرته) أي: منافرة ذلك الشيء (له) أي: للطبع (كالآلام) والصور المستكرهة فإن الطبع ينفر عنها بضرورته فعلى هذا يقال: إن الآلام قبيحة كلها أي: منافرة للطباع والملاذ كلها حسنة أي: ملائمة لها.
  (والثاني:) من الاعتبارين: أن يدرك العقل حسن الشيء (بمعنى كونه) أي: كون ذلك الشيء (صفة كمال كالعلم) ومكارم الأخلاق فإن العقل يستحسنه أي: يدرك كونه صفة كمال فيمن تحلى به اتفاقاً.
  (و) أن يدرك العقل قبح الشيء بمعنى (كونه) أي: كون ذلك الشيء (صفة نقص) فيمن اتسم به (كالجهل) والكذب فإن العقل يدرك كون ذلك صفة نقص فيمن اتسم بها اتفاقاً.
  واعلم أنه إذا تعلق بما لائم الطبع أو نافره ذم وعقاب كأكل مال الغير بغير حق، أو مدح وثواب كحفر الآبار والأكنة لمارة الطريق، فإنه يكون لذلك جهتان: جهة متفق عليها وهي من حيث ملاءمته للطبع ومنافرته له، وجهة هي محل النزاع بيننا وبين مخالفينا وهي من جهة تعلق المدح والذم به.
  فالمخالف يقول: العقل لا يدرك هذا التعلق وإنما يدرك ميل الطبع ونفاره وصفة الكمال وصفة النقص وهما راجعتان في الحقيقة إلى ميل الطبع ونفاره.
  ونحن نقول: بل تدركه العقول وإدراكه بفطرتها وتركيبها وهو الحجة الكبرى لله سبحانه وتعالى على أهل العقول.
  قال الإمام أحمد بن سليمان # في حقائق المعرفة: ومما فطر الله عليه المكلف استحسان الحسن واستقباح القبيح - وهو العقل الغريزي - وهو عطية من الله ونعمة من