(فصل): في حكم الطريق إلى الإمام
  تبوك فلا يتهيأ أن يكون المراد بقوله تعالى: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}[الفتح: ١٦]، أي ستدعون أنتم يا متخلفون عن غزوة تبوك وهم حين نزول هذه الآية لم يتخلفوا عن غزوة تبوك لأن النبي ÷ لما يخرج إليها في ذلك الوقت أصلاً فضلاً عن أن يتخلفوا عنه فيها لأنه ما كان الخروج إليها إلا بعد مدة سنتين ونيف على ما قد عرف فمن المحال أن يكون المعني بقوله تعالى: {سَتُدْعَوْنَ ...} هو المعني بقوله تعالى: {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا ...} الآية، فمن ذهب إلى هذا فهو غالط أو مغالط.
  وأما قوله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ}[الفتح: ١٦]، أي وإن تتولوا وتخلفوا عن دعاء النبي ÷ لكم إلى قتال هوازن أو غيرهم من الناس كما توليتم وتخلفتم عن دعوته لكم إلى غزوة الحديبية {يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ١٦} وذلك واضح بحمد الله.
  وقوله تعالى: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا} أي: إذا توجهتم لقتال أهل خيبر ومغانمها: {ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ} أي: نسير معكم فنصيب من المغانم {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ}[الفتح: ١٥]، أي يريدون أن يغيروا وعد الله سبحانه لرسوله ÷ وأصحابه أهل الحديبية بما ذكر الله من المغانم وذلك أن الله سبحانه وعد أهل الحديبية خاصة بمغانم خيبر وذلك قوله تعالى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ}[الفتح: ٢٠]، فقسمت غنائم خيبر على أهل الحديبية وكانوا ألفاً وخمسمائة منهم ثلاثمائة فارس فقسمت على ثمانية عشر سهماً فأعطى الفارس سهمين والراجل سهماً أخرجه أبو داود من رواية مجمع بن حارثة الأنصاري.
  ومن فسر قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ}[الفتح: ١٥]، أي قوله تعالى: {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا}[التوبة: ٨٣]، فقد غلط غلطاً ظاهراً، والله أعلم.