(فصل في التحسين والتقبيح العقليين)
  قال الحاكم: هو بصري قرأ على أبي علي ثم خالفه وأظهر القول بالجبر، قال: أجمع أهل الكلام ممن يوافقه ويخالفه أنه لم يتصل له إسناد بأحد من الأئمة ولا بفرقة من فرق المسلمين؛ لأنه أخذ الكلام عن الشيخ أبي علي ثم خالفه وخالف المعتزلة وتبرأ منهم ولم يختلف إلى أحد منهم بعد ذلك واتصل بأصحاب الحديث داعياً لا مسترشداً.
  قال: وهذه علامة ظاهرة في أنه أبدع المذهب وإنما أحيا بعض مذهب جهم بعد أن كان اندرس بقتله، ومما أحدث من القول: أنه تعالى مسموع، وأنه أسمع نفسه موسى، وأن صفات الله معانٍ قديمة، وأن الكلام صفة لله قائمة بذاته، وأنه تعالى كلف ما لا يطاق، وأنه تعالى يرضى الكفر ويحبه، وأن عذاب الأنبياء وثواب الكفار يحسن منه تعالى، وغير ذلك من الأقوال الباطلة، وهو أول من أظهر القول بأن الله سبحانه وتعالى يكلف ما لا يطاق تعالى الله عن ذلك.
  فقال هؤلاء: يستقل العقل بإدراك الحسن والقبح بالاعتبارين الأولين.
  (و) يستقل العقل بإدراك الحسن والقبح (باعتبار) ثالث وهو (كونه) أي: الشيء (متعلقاً للمدح) لفاعله (والثواب) له أي: الجزاء على ذلك الشيء (عاجلين) أي: حال كون المدح والثواب عاجلين أي: في الدنيا وهذا في الحسن (و) باعتبار كون الشيء يتعلق به (الذم) لفاعله (والعقاب) له (كذلك) أي: عاجلين أي: في الدنيا، وهذا في القبيح، ولعل وجه قول هؤلاء الذين خالفوا أصحابهم في هذا الاعتبار الثالث أنهم لما زعموا أن التحسين والتقبيح ليس علماً عقلياً على الحقيقة وإنما هو أمر اقتضاه الشهرة والإلف والعادة بين العقلاء ولا حقيقة له كما ذكروه، فجاز أن يتعارف الناس فيه بأن يتعلق به الذم والعقاب أو المدح والثواب فيما بينهم في العاجل لا في الآجل أي: الآخرة لأنه لا حقيقة له حتى يتعلق به ثواب أو عقاب من الله سبحانه فلعل هذا وجه قولهم والله أعلم.
  وسيأتي الرد عليهم في هذا الوهم الذي توهموه إن شاء الله تعالى.
  قال (أئمتنا $ وصفوة الشيعة، والمعتزلة وغيرهم: و) يستقل العقل