شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل في التحسين والتقبيح العقليين)

صفحة 138 - الجزء 1

  فهم فيما لم يكن متعلقاً لأيها أنفى، وذلك بناء منهم على عدم اختيار العبد في أفعاله كما عرفت.

  فالعقل عندهم باعتبار تعلق الأفعال بالمدح والثواب والذم والعقاب على ما تقدم ذكره لا يدرك فيها حسناً ولا قبحاً وإنما يعلم التحسين والتقبيح عندهم فيها بالشرع، وذلك كل ما يتعلق بأفعال المكلفين من المدح والثواب والذم والعقاب فلا يعاقب منكر الصانع تعالى الذي لم تبلغه دعوة الرسل عندهم.

  قالت الأشاعرة والمجبرة في الرد على العدلية في هذه المسألة ما لفظه: قلنا: الحسن والقبح يطلقان على أمور، منها ما يكون صفة كمال أو صفة نقص، ومنها ما يكون ملائماً للطبع أو منافراً له، ومنها ما يتعلق به في الآجل ثواب أو عقاب؛ فإن كان المراد بالحسن ما يكون صفة كمال والقبيح ما يكون صفة نقصان، أو كان المراد بالحسن ما يكون ملائماً للطبع وبالقبيح ما يكون منافراً للطبع - فلا خلاف في كونهما عقليين.

  وإن كان المراد بالحسن ما يتعلق به في الآجل ثواب وبالقبيح ما يتعلق به في الآجل عقاب - فالعقل لا مجال له فيما يتعلق به في الآجل ثواب أو عقاب.

  وكيف يكون للعقل مجال وقد ظهر أن العبد غير مختار في فعله، ولا مستبد بتحصيله، وإذا كان كذلك لا يوصف فعله بالحسن أو القبح بحسب العقل فإن الأفعال الاضطرارية والاتفاقية لا توصف بالحسن والقبح عقلاً. انتهى.

  وقال الإمام يحيى # في كتاب التمهيد: اعلم أن الحسن والقبح يطلقان ويراد بهما أمور ثلاثة: أحدها: ملاءمة الطبع ومنافرته كالآلام والصور القبيحة فإن معنى كونها قبيحة منافرتها للطباع وازورار الأنفس عنها، وهكذا الملاذ والصور الحسنة، فإن معنى كونها حسنة ملاءمتها للطباع واشتياق الأنفس إليها.

  وثانيها: كون الشيء على صفة كمال كالعلم، أو على صفة نقص كالجهل.

  وثالثها: كون الفعل جهة للمدح والذم عاجلاً والثواب والعقاب آجلاً.