(فصل في التحسين والتقبيح العقليين)
  فأما القسمان الأولان فلا خلاف في أن طريق معرفتهما العقل، وإنما النزاع في القسم الثالث.
  فأما أئمة الزيدية وسائر شيوخ المعتزلة فذهبوا إلى أن الحسن والقبح إنما يكونان جهتين للمدح والذم والثواب والعقاب لوجوه عائدة إليهما.
  ثم تلك الوجوه منقسمة في نفسها إلى قسمين: أحدهما يستقل العقل بدركه إما ضرورة كحسن شكر المنعم والإنصاف وحسن الصدق والعدل والإحسان والعلم ومثل قبح الجهل والظلم وتكليف ما لا يطاق وكفران النعم وإرادة القبيح وتعظيم من لا يستحق التعظيم.
  وإما نظراً كحسن الصدق الضار وقبح الكذب النافع.
  والثاني لا يستقل العقل بدركه كسائر المحسنات الشرعية من الصلاة والزكاة وسائر العبادات وقبائحه كبيع الربا وشرب المسكر وسائر المحرمات.
  وأما الأشعرية فحاصل الخلاف معهم من وجهين أحدهما أن الطريق إلى معرفة قبح الأشياء وحسنها بالمعنى الثالث ليس إلا من جهة الشرع وأن العقل لا تأثير له في تقبيح ولا تحسين البتة.
  وثانيهما: أنه لا معنى عندهم لكون الفعل قبيحاً أصلاً إلا تعلق النهي به ولا معنى لكونه حسناً إلا تعلق الأمر به من غير زيادة أمر آخر. انتهى
  وقال الإمام يحيى # في الشامل ما لفظه: زعم أبو حامد الغزالي ومن تابعه من الأشعرية وغيرهم من متأخري الفلاسفة أن علوم التحسين والتقبيح والعلوم بالأمور الواجبة التي قررناها ليس لها حقائق في أنفسها عندهم وإنما هي آراء محمودة وأمور مشهورة بين العقلاء، وأن الاستقباح والاستحسان غلط من جميع العقلاء في كل ما يستحسنونه بعقولهم كالعدل والإحسان والتفضل والصدق وأداء الأمانات واصطناع المعروف والتحلي بمكارم الأخلاق وفي كل ما يستقبحونه بعقولهم كالظلم والكذب والسفه والفحش وقطع الأرحام