(فصل في التحسين والتقبيح العقليين)
  والغدر والخيانة والاستخفاف بالعلماء ونقص الأفاضل وزعم أن مثارات الغلط في هذا الاستقباح والاستحسان في هذه الأفعال من أمور ثلاثة. انتهى.
  وقد بين في الشامل الأمور الثلاثة التي زعم أبو حامد ومن تابعه أنها مثار الغلط وهي أمور باطلة لا طائل تحتها إلا شغل الكاغد(١) بكتابتها وهذا من الغزالي ومتابعيه جحد لضرورة العقل.
  قلت: فعرفت من هذا صحة إطلاق أئمتنا $ في القول عن الأشعرية ومن قال بقولهم من المجبرة وغيرهم أن العقل ليس له مجال في تحسين ولا تقبيح إذ مرادهم في تعلق الأحكام بها كما قال ابن الحاجب لا بحكم العقل بأن الفعل حسن أو قبيح في حكم الله سبحانه، وكما قال صاحب العضد في شرحه: أما الحاكم فهو عندنا الشرع دون العقل ولا نعني به أن العقل لا حكم له في شيء أصلاً بل إنه لا يحكم بأن الفعل حسن أو قبيح في حكم الله المتعلق بأفعال المكلفين وذلك منهم بناء أن العبد غير مختار في فعله كما سبق.
  قالوا: لو كان التقبيح والتحسين أصلهما معلومان بالعقل كما زعمتم لكان دخول هذه القبائح في الوجود لا يخلو حاله إما أن يكون على جهة الإيجاب أو على جهة الاختيار، وعلى كلا التقديرين فالقول بكون التقبيح والتحسين بالعقل باطل.
  وبيانه: أنا نقول: لو كانت هذه القبائح واقعة على جهة الوجوب امتنع التكليف بها لأن ما كان حصوله واجباً استحال التكليف به فضلاً عن أن يقال قبحه أو حسنه معلوم بالضرورة أو بالنظر، وإن كانت واقعة على جهة الاختيار فلا معنى للاختيار إلا أن الفاعل يمكنه الفعل والترك وهما أمران جائزان فلا بد فيهما من حصول مرجح.
(١) الكاغد: القرطاس. تمت (من المعجم الوسيط).