شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل في التحسين والتقبيح العقليين)

صفحة 141 - الجزء 1

  ثم عند حصول ذلك المرجح إما أن يجب الفعل أو لا يجب، فإن لم يجب استدعى مرجحاً ومرجحه إلى مرجح إلى غير نهاية، وهذا محال.

  وإن وجب عند حصول مرجحه بطل الاختيار، وهذا مطلوبنا فثبت بما ذكرنا أن القول بالتقبيح والتحسين العقليين باطل، وهذا ذكره صاحب النهاية.

  والجواب: أن هذا التمويه منهم موضعه الذي يليق به هو الكلام في خلق الأفعال، ولكنهم لما خافوا انهدام أصلهم المبني على شفا جرف هار في خلق الأفعال لو التزموا حكم العقل في التحسين والتقبيح أنكروا الضرورات وكابروا عقولهم وعقول العقلاء وحاولوا استقامة أصلهم المنهار وهيهات أن يستقيم ما بني على غير أساس.

  ونقول لهم: قولكم دخول هذه القبائح في الوجود إما أن يكون واجباً أو جائزاً - قلنا: بل هو جائز لأن الوجوب يناقض الاختيار ويدفعه.

  وقولكم: إذا كان جائزاً فإما أن يحتاج إلى مرجح أو لا يحتاج - قلنا: سلمنا أنه يفتقر إلى المرجح فقولكم حال حصول ذلك المرجح إما أن يجب الفعل أو لا يجب - قلنا: لا يجب، وقولكم: فإن لم يجب استدعى مرجحاً ومرجحه إلى مرجح وهذا محال - قلنا: لا يلزم استدعاء المرجح إلى مرجح ومن أين يلزم هذا لأنا نقول: إن المرجح وهو الداعي لا تأثير له في الفعل؛ لأنه إما داعي النفس وهواها أو داعي العقل، ولا تأثير لهما في الفعل، وإنما المؤثر في حصول الفعل الفاعل بواسطة القدرة التي خلقها الله سبحانه له فهو إن شاء فعل وإن شاء ترك؛ لأن الله سبحانه جعل له قدرة يتمكن بها من الفعل والترك ليتم التكليف.

  مع أنا لا نسلم أنه لا بد من مرجح فقولكم: فلا بد فيهما من حصول مرجح باطل، وقد نقضتم أنتم ذلك حيث قال الرازي في كتاب النهاية وكتاب الأربعين: إن أحد الممكنين قد يقع لا لمرجح، ومثَّله بأن القادر يقع أحد مقدوريه لا لمرجح، وأن الجائع يأكل أحد الرغيفين لا لمرجح، ومن أحد