شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل في التحسين والتقبيح العقليين)

صفحة 143 - الجزء 1

  المحسن ولو تراخى) مدحه وإحسانه بزمان طويل، (و) تصويب العقلاء كذلك أيضاً (من ذم أو عاقب المسيء ولو تراخى) بزمان طويل أيضاً، وما ذاك إلا لحكمهم بحسن الفعل الممدوح فاعله عليه والمحسن إلى فاعله بسببه، وحكمهم بقبح الفعل المذموم فاعله، عليه والمعاقب فاعله بسببه، وحكمهم أن فعل الإحسان كالإكرام وفعل الإساءة كالظلم، متعلق للمدح والثواب، والذم والعقاب، من غير فارق بين العاجل والآجل.

  ولو كان بينهما فارق لأنكروا على من عاقب أو أحسن، أو ذم أو مدح، بعد مدة طويلة أو قصيرة، ولكانوا يقولون: قد وقع التراخي فليس لك أن تعاقب ولا تكافي، ولا تمدح ولا تجازي، وهذا معلوم البطلان؛ فإنا نعلم قطعاً أن من لطم غيره أو قتله بغير حق أنه يستحق بسبب ذلك الذم والمعاقبة من غير فرق بين التراخي وغيره، ومن أحسن إلى غيره أنه يستحق بسببه المدح والمكافأة من غير فرق كذلك.

  فإن قالوا: إن لطم الغير أو قتله مما يستكره وينافر الطبع؛ فالعقل يدرك قبحه من جهة ذلك، ولا نسلم أنه من جهة تعلق الذم والعقاب به، وكذلك الإحسان إلى الغير صفة كمال؛ فيدرك العقل حسنه من جهة ذلك، لا من جهة تعلق المدح والمكافأة به.

  قلنا: يعلم العقلاء بضرورة عقولهم الفرق بين من ذبح صبياً أو لطمه عدواناً بغير حق، ومن قتل رجلاً أو لطمه قصاصاً، وما ذاك إلا لعلمهم أن لطم الغير أو قتله متعلق للذم والعقاب قطعاً، وأن هذا التعلق هو العلة في كون الفعل قبيحاً لا غيره.

  وإن قتل الرجل أو لطمه قصاصاً غير متعلق للذم والعقاب، وإلا فما وجه الفرق والفعل واحد مما تنفر عنه النفوس والطباع؟

  فإن أنكرتم هذا الفرق فلا فائدة حينئذ في الكلام معكم في هذه المسألة.