شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل في التحسين والتقبيح العقليين)

صفحة 144 - الجزء 1

  وأيضاً فإن العقلاء يعلمون ببدايه عقولهم حسن التفضل والإحسان، والابتداء بعوارف النعم، ويعلمون ببدايه عقولهم أن هذا الاستحسان والاستقباح ليس منسوباً إلى عرف أو شرع؛ لأنه حاصل لمن لا يعرف شرعاً ولا يتدين بدين كالملاحدة والبراهمة ويفصلون في الاستقباح بين بيع درهم بدرهمين وبين من قتل صبياً فيقطعه إرباً إرباً فإن قبح الأول يستند إلى الشرع دون الثاني ولو كان مستنداً إلى العرف لجاز أن يتغير؛ فكنا نصدق من أخبرنا عن إقليم سليمي العقول وهم لا يميزون بين من أحسن إليهم وبين من أساء ولا بين من أكرمهم وبين من ظلمهم وأهانهم وهو محال.

  وأيضاً لو كان القبح تألم النفس لزم قبح كثير من المحسنات كالفصد والحجامة وشرب الأدوية المرة وبذل الرغائب في الدفع عن العرض والنفس لحصول التألم بذلك.

  ولو كان الحسن تلذذ النفس لزم حسن كثير من المقبحات كالظلم والكذب ونحوهما.

  ومن ارتكب هذا فقد دخل في السفسطة من غير شك لأن أحداً لا يجعل الإحسان إلى الغير كظلمه.

  فإن قالوا: إن هذا القبح والحسن باعتبار المنافرة والملاءمة مدرك بالعقل كما يقال: نفر طبعي عن كذا بمعنى قبح هذا الشيء، ولذَّ لي هذا الشيء بمعنى حسن، ولا نعني بالحسن والقبح إلا ذلك لا باعتبار أمر آخر.

  فنقول: إن شرب الأدوية المرة والفصد والحجامة قبيحة بمعنى أن الطبع ينفر عنها، ولا نسلم لكم أنها حسنة باعتبار ما يتعقبها من الشفاء والصحة فإنا لا نعقل في القبح إلا ما نافر الطبع، وكذلك نقول في الظلم للغير إذا كان ملائماً للطبع أي: يستلذه الظالم وشرب السموم اللذيذة فإنها حسنة بمعنى ملائمة للطبع ولا نعقل في الحسن إلا ذلك.