(فصل في التحسين والتقبيح العقليين)
  قلنا: هذا غلط أو مغالطة؛ لأن إدراك الشهوة والنفرة وميل الطباع مما يشترك فيه العقلاء وغيرهم من سائر الحيوان فإضافة هذا الإدراك إلى العقل خطأ كما سبق ذكره.
  وأيضاً فإن المعلوم أن لفظ قبيح كلمة ذم لفاعله ولفظ حسن كلمة مدح لفاعله لما سبق ذكره من أن وضع هذين اللفظين باعتبار الضرر والنفع وعدمهما، بخلاف لفظ نفر طبعي عن كذا أو لذ لي كذا فإن هذين اللفظين لا يفيدان مدحاً ولا ذماً ولأجل ذلك ترى العقلاء يحكمون على من تحمل أعباء المشقة والآلام في حفر المناهل لمارة الطريق للشرب منها أو في بناء الأكنة في المفاوز يأوي إليها ابن السبيل لتقيه من الحر والبرد والمطر بأنه محسن وأن فعله ذلك حسن يمدح عليه عند العقلاء كافة لا ينكر ذلك إلا من كابر عقله مع ما يناله في ذلك العمل من التعب والألم ومشقة العمل الذي ينفر عنه الطبع بلا شك ولا مرية.
  وترى العقلاء أيضاً يحكمون على من شرب السموم اللذيذة الملائمة للطبع التي يؤدي شربها إلى الضرر أو التلف أو من أكل مال غيره ظلماً مع كون الأكل والشرب ملائماً للطبع بأنه مسيء وأن فعله قبيح يستحق عليه الذم والمعاقبة عند كل عاقل.
  فيبطل أن يكون إدراك الحسن بمعنى ملاءمة الطبع والقبح بمعنى منافرته منسوباً إلى العقل، وثبت أن إدراك الحسن بمعنى تعلق المدح به، والقبح بمعنى تعلق الذم به هو المنسوب إلى العقل وذلك واضح.
  قال #: (ولنا) حجة على مخالفينا في الاعتبار الخامس (عدم حكمهم) أي: العقلاء (بأيها) أي: الأربعة وهي المدح والثواب، والذم والعقاب، (في حق من استظل تحت شجرة لا مالك لها أو تناول شربة من ماء غير محاز) أي: غير مملوك فإن العقلاء يحكمون ببدائه عقولهم أن التمشي في الأرض والاستظلال تحت الأشجار والشرب من المياه والانتفاع بالأحجار والأشجار الغير المحازة