(فصل في التحسين والتقبيح العقليين)
  ونحو ذلك مباح حسن لا قبح فيه؛ لأنه لا ضرر فيه، ولو جوزوا قبحه لقبح لأن الإقدام على ما لا يؤمن قبحه قبيح.
  وأيضاً فإنا نعلم أن الله سبحانه إنما خلق الأشياء كلها لمصلحة وغرض والغرض عائد إلينا إذ هو سبحانه غني عن كل شيء لا تجوز عليه الحاجة ولا الأغراض فإذا كان الانتفاع بها على وجه لا يتعلق به إضرار ولا ذم ولا عقاب علمنا أن الله سبحانه قد أراد منا الانتفاع بها فيكون ذلك معلوماً حسنه والله أعلم.
  وأما من زعم أن علوم التحسين والتقبيح نظرية وأنكر كونها ضرورية أو زعم أنها بالشهرة والإلف والعادة كما زعم الغزالي وابن سيناء والفارابي - فالجواب عليهم: ما ذكره الإمام يحيى # في كتاب الشامل حيث قال: الفرق بين ما يعد من العلوم النظرية والعلوم الضرورية واضح بيّن فإن العاقل يعلم الضرورية من غير اعتناء بنظر ولا إعمال فكرة، وما كان حاصلاً بطريق النظر فإنه لا بد فيه من العناية باستحضار مقدماته وترتيبها على وجه صحيح وحراستها عن الغلط والزلل، ونحن نعلم بالضرورة من حال هذه القضايا كالقبح في بعض الأحوال والحسن في بعضها والوجوب في بعضها أنها حاصلة للعقلاء من غير اعتناء ولا نظر في مقدمات.
  ونحن لا ننكر وقوف هذه القضايا على علوم الخبرة والتجربة، فإن مبنى علوم التحسين والتقبيح على العلم بتعلق الفاعلين بأفعالهم وصدورها من جهتهم إذ من المحال أن يعلم قبح بعض هذه الأفعال أو حسنها من بعض الأشخاص ولا يعلم كونه فاعلاً له وهذا لا يضرنا في كونها ضرورية بديهية؛ لأن ما وقف على الأمور البديهية فهو أيضاً بديهي لا محالة.
  وأيضاً من حق ما كان نظرياً ورود الشبهة عليه وتطرق الشك إلى معلومه، ومن حق ما كان ضرورياً ألا يتطرق الشك إلى معلومه.