(فصل): في حكم الطريق إلى الإمام
  قال ابن أبي الحديد: قال النقيب |: وأكثر ما كانوا يعملون بآرائهم فيما يجري مجرى الولايات والتأمير والتدبير وتقرير قواعد الدولة وما كانوا يقفون مع نصوص الرسول # وتدبيراته إذا رأوا المصلحة في خلافها كأنهم كانوا يقيدون نصوصه المطلقة بقيد غير مذكور لفظاً، وكأنهم كانوا يفهمونه من قرائن أحواله وتقدير ذلك القيد: افعلوا كذا إن رأيتموه مصلحة.
  قال قال: فأما مخالفتهم له فيما هو محض الشرع والدين وليس بمتعلق بأمور الدنيا وتدبيراتها فإنه يقل جداً نحو أن يقول: الوضوء شرط في الصلاة فيجتمعوا على رد ذلك ويجيزون الصلاة من غير وضوء إذ لا غرض لهم فيه ولا يقدرون على إظهار مصلحة عثروا عليها خفيت عنه # والقوم كانوا قد غلب على ظنونهم أن العرب لا تطيع عليا # فبعضها للحسد وبعضها للوتر والثأر وبعضها لاستحداثهم سنه وبعضها لاستطالته عليهم وترفعه عنهم وبعضهم كراهة اجتماع النبوة والخلافة في عنصر واحد وبعضها للخوف من شدة وطأته وشدته في دين الله وبعضها لرجاء تداول قبائل العرب الخلافة إذ لم يقتصروا بها في بيت مخصوص فيكون رجاء كل حي لوصولهم إليها ثابتاً مستمراً، وبعضها لبغضه ببغضهم لرسول الله ÷ وهم المنافقون من الناس ومن في قلبه زيغ وشك من أمر النبوة، فأصفق الكل إصفاقاً واحداً على صرف الأمر عنه.
  واحتج رؤساؤهم بأنا خفنا الفتنة وعلمنا أن العرب لا تطيعه، وتأولوا عند أنفسهم النص، وقالوا: إنه لنص ولكن الحاضر يرى ما لا يرى الغائب والنصوص قد تترك لأجل المصلحة الكلية وأعانهم على ذلك مسارعة الأنصار وادعائهم الأمر وإخراج سعد بن عبادة من بيته وهو مريض لينصبوه خليفة زعموا، واختلط الناس وكثر الخبط، وكادت الفتنة أن تضطرم نارها، فوثب رؤساء المهاجرين فبايعوا أبا بكر وكانت فلتة كما قال قائلهم، وزعموا أنهم أطفأوا بها ثائرة الأنصار فمن سكت من المسلمين وأغضى فقد كفاهم أمر نفسه،