(فصل): في حكم الطريق إلى الإمام
  هؤلاء أعرف بأغراض رسول الله ÷ من كل أحد فأمسكوا وكفوا.
  ومنهم فرقة أخرى - وهم الأكثرون - أعراب وجفاة وطغام أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح فهؤلاء مقلدون ولا يسألون ولا ينكرون ولا يبحثون وهم مع أمرائهم وولاتهم لو أسقطوا عنهم الصلاة الواجبة لتركوها فلذلك إمَّحق النص وخفي ودرس وقويت كلمة العاقدين لبيعة أبي بكر وقواها زيادة على ذلك اشتغال علي # وبني هاشم برسول الله ÷ وإغلاق بابهم عليهم وتخليتهم الناس يعملون ما شاءوا وأحبوا من غير مشاركة فيما هم فيه وأرادوا استدراك ذلك بعد ما فات وهيهات الفائت لا رجعة له.
  وأراد علي # بعد ذلك نقض البيعة فلم يتم له ذلك وكانت العرب لا ترى الغدر ولا تنقض البيعة صواباً كانت أو خطأً، وقد قالت له الأنصار وغيرها: أيها الرجل لو دعوتنا إلى نفسك قبل البيعة لما عدلنا بك أحداً، ولكنا قد بايعنا فكيف السبيل إلى نقض البيعة بعد وقوعها؟
  قال النقيب |: ومما جرَّأ عمر على بيعة أبي بكر والعدول عن علي # مع ما كان سمعه من الرسول ÷ في أمره أنه أنكر مراراً على الرسول ÷ أموراً اعتمدها فلم ينكر عليه رسول الله ÷، بل رجع في كثير منها إليه نحو إنكاره عليه ÷ الصلاة على عبد الله بن أبي المنافق، وغير ذلك من أمور كثيرة تشتمل عليها كتب الحديث، ولو لم يكن إلا إنكاره قول رسول الله ÷ في مرضه: «ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم ما لا تضلون بعده»(١)، وقوله ما
(١) رواه عبد الرزاق في مصنفه ورواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس ومسلم في صحيحه وأحمد في مسنده والنسائي في سننه وابن حبان في صحيحه والطبراني في الكبير عن ابن عباس وفي الأوسط عن عمر والبغوي في شرح السنة والبيهقي في سننه وأبو يعلى في مسنده والحميدي في مسنده والقاضي عياض في الشفاء والبلاذري في أنساب الأشراف، والفاكهي في أخبار مكة، ورواه الطبري في تاريخه وابن الأثير في الكامل وابن كثير في سيرته وابن سعد في الطبقات.