(فصل): في حكم الطريق إلى الإمام
  قال ابن أبي الحديد: فقلت للنقيب | أيصح النسخ في مثل هذا أليس هذا نسخا للشيء قبل تقضي وقت فعله؟
  فقال: يا سبحان الله من أين تعرف العرب هذا وأنى لها أن تتصوره فضلا عن أن تحكم بعدم جوازه وهل يفهم حذاق الأصوليين صورة هذه المسألة فضلا عن حمقى العرب هؤلاء قوم ينخدعون بأدنى شبهة ويستمالون بأضعف سبب وتنبني الأمور معهم على ظواهر النصوص وأوائل الأدلة وهم أصحاب جُمل وتقليد لا أصحاب تفصيل ونظر.
  قال |: ثم أكد حسن ظن الناس بهم أن ظلّفوا(١) أنفسهم وزهدوا في متاع الدنيا وزخرفها وسلكوا مسلك الرفض لزينتها والرغبة عنها والقناعة بالطفيف النزر منها وأكلوا الخشن ولبسوا الكرابيس ولما ألقت إليهم الدنيا كبدها فرقوا الأموال على الناس وقسموها بينهم ولم يتدنسوا منها بقليل ولا كثير فمالت إليهم القلوب وأحبتهم النفوس وحسنت فيهم الظنون وقال من كان في شبهة منهم أو شك في أمرهم لو كان هؤلاء قد خالفوا النص لهوى أنفسهم لكانوا أهل دنيا ولظهر عليهم الميل إليها والرغبة فيها والاستئثار بها فكيف يجمعون على أنفسهم بين مخالفة النص وترك لذات الدنيا ومآربها فيخسروا الدنيا والآخرة وهذا لا يفعله عاقل والقوم عقلاء ذوو ألباب وآراء صحيحة فلم يبق عند أحد شك في أمرهم ولا ارتياب بفعلهم وثبتت العقائد على ولائهم وتنزيههم وتصويب أفعالهم ونسوا لذة الرئاسة وأن أصحاب الهمم العالية لا يلتفتون إلى المأكل والمشرب والمنكح وإنما يريدون الرئاسة والحكم ونفوذ الأمر كما قال الشاعر:
  وقد رغبت عن لذة المال أنفس ... وما رغبت عن لذة النهي والأمر
(١) كذا في الأصل وفي شرح النهج أنهم أطلقوا أنفسهم عن الأموال.