شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل في التحسين والتقبيح العقليين)

صفحة 154 - الجزء 1

  بالطبع، والإلهام لا يكون بصريح الكلام.

  قال في الكشاف: ومعنى إلهام الفجور والتقوى إفهامهما وإعقالهما، وأن أحدهما حسن، والآخر قبيح، وتمكينه من اختيار ما شاء منهما، بدليل قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ٩ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ١٠}⁣[الشمس]، فجعله فاعل التزكية والتدسية، والتزكية الإنماء والإعلاء بالتقوى، والتدسية النقص والإخفاء بالفجور. انتهى

  فعرفت أن الله سبحانه قد نصب العقل دليلاً قاطعاً على معرفة الحسن والقبيح.

  (قالوا) أي: الأشعرية ومن تبعهم من منكري التحسين والتقبيح العقليين: (قال [الله] تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ١٥}⁣[الإسراء]، فدلت) هذه الآية (أن لا استحقاق للعقاب) أي: لا يستحق المكلفون العقاب (قبل ورود الشرع).

  (والجواب والله الموفق: أن) هذه (الآية لا تنافي ما ذهبنا إليه) من أن العقل يدرك حسن عقاب المسيء ووجوبه⁣(⁣١) من قبل ورود الشرع؛ (لأن المعنى) فيها: (وما كنا معذبين) أحداً من المكلفين (بعد استحقاق العذاب بارتكاب القبائح العقلية) التي أدركوا قبحها بعقولهم فارتكبوها اتباعاً لأهوائهم (بدليل قوله تعالى): {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ


(١) قال في هامش نسخة (أ) المخطوطة من نسخ الشرح الصغير في مثل هذا الموضع مايلي: ينظر في قوله: «ووجوبه»؛ فمعاقبة المسيء حسنة وليست بواجبة، بل العفو أحسن عقلاً إن لم يوجب التجري؛ ولذا مدح الله سبحانه العافين عن الناس، ولو كان العقاب واجبا لما تفضل الله بالعفو قبل إرسال الرسل، وهذا واضح، والله ولي التوفيق. المفتقر إلى الله مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي غفر الله لهم آمين. من هامش (أ) بخطه #.