شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل في التحسين والتقبيح العقليين)

صفحة 155 - الجزء 1

  الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ١٣٠}⁣[الأنعام]، ({ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى}) أي: أهلها ({بِظُلْمٍ}) ارتكبوه ({وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ١٣١}⁣[الأنعام])، أي: حال غفلتهم عن السمع أي: قبل أن تبلغهم الرسل، (فأخبر الله سبحانه أنهم قد ارتكبوا القبيح الذي هو الظلم وهم غافلون عن السمع حيث لم تبلغهم الرسل) فقال سبحانه بظلم، فسمى ما ارتكبوه من القبائح العقلية ظلماً وحكم عليها باسمه وهي لا تكون ظلماً إلا حيث قد أدركوا قبحها بعقولهم وأقدموا عليها اتباعاً للهوى، وتمرداً عن الانقياد لحكم العقل مع علمهم بوقوع العقاب وجزمهم بذلك أو عدم جزمهم بوقوعه لعدم معرفتهم بالله سبحانه الذي لا تخفى عليه خائنة الأعين وما تخفي الصدور كما سيأتي تحقيقه.

  فلو لم يعرفوا قبحها بعقولهم لم يسمها سبحانه ظلماً وكيف يسمي ما فعله المكلف وهو غير عارف بقبحه ولا مهتد إلى ضرره ظلماً، والفاعل له ظالماً؟ وهل ذلك إلا ظلم وتكليف لما لا يطاق والله سبحانه يتعالى عن ذلك جل ثناؤه وتقدست أسماؤه (فقال تعالى): {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ (حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}⁣[الإسراء: ١٥])، يزيح عللهم ويهدم شبههم ({لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}⁣[النساء: ١٦٥]، بأن يقولوا) أي: أهل الشقاء من الناس: (حصل العلم بالاستحقاق) أي: استحقاق العذاب (ولم نجزم بالوقوع) أي: بوقوعه (لعدم معرفتهم لربهم) لتركهم النظر الموصل إلى معرفة الله سبحانه (كمن يقتل نفساً عدواناً على غفلة فإنه يعلم أن القصاص مستحق عليه) قطعاً (ولم يجزم بوقوعه) أي: القصاص (لتجويز أن لا يطلع عليه أحد) فهو يُجوِّز لأجل ذلك أن لا يقتل قصاصاً مع علمه أنه يستحق القتل قصاصاً وذلك معلوم للعقلاء قطعاً فلو لم يبعث الله سبحانه الرسل إليهم لوجدوا لهم عذراً واحتجاجاً، (فيقولون: لو أنذرنا منذر لأصلحنا) أي: لتداركنا ما فرط منا من