فصل: [ما يدرك بالعقل وأقسامه]
  البديع إذ لا بد لكل مصنوع من صانع، ومن ذلك العلم بِمُخبَر المتواتر على الصحيح فإنه إنما يعلم استدلالاً وهو قول البغدادية وأبي الحسين وغيرهم.
  وقال الجمهور: هو ضروري.
  قلنا: لو كان ضرورياً لما افتقر إلى تقدم العلم بأن المخبر عنه من المحسوسات وأن المخبرين عدد لا حامل لهم على الكذب ولا يصح تواطؤهم عليه ولا اتفاقه أي: الكذب، ومن كان كذلك امتنع وقوع الكذب في خبره فعلم أنه صدق.
  وهذا محض الاستدلال وهذا معنى ما ذكره الهادي # في كتاب البالغ المدرك حيث قال: «ومن تراخت به الأيام عن لقائهم وكان في غير أعصارهم كانت الحجة عليه في معرفتهم والقبول لما جاءوا به والديانة لما دعوا إليه توالي الأخبار التي في مثلها يمتنع الكذب ولا تتهيأ بالاتفاق ويكون سامعها مضطراً في فطرته إلى أن ناقليها لا يمكن مثلهم الكذب ولا التواطؤ ولا المقالة كقوم مختلفي الأجناس متبايني الديار متقطعي الأسباب متفاوتي اللقاء متراخي الأزمنة ينقلون خبراً واحداً متسق النظام محروساً من الغلط محصناً عن الوهم، ولعله يخرج في مال أحدهم وبدنه لا يعارضهم فيه معارض بتكذيب قد كاد يكون [ولما لم يكن](١) عياناً وقد يجيء بين ذلك أخبار بعضها مستحيل كونه في العقول ويبعد أن يجيء بمثلها رسول لما فيها من الكذب والزور ولن تجيء هذه الأخبار مجيء إجماع أبداً. انتهى كلامه #.
  (والإدراك به) أي: بالعقل(٢) ينقسم إلى قسمين؛ لأنه (إن عري) أي: خلي (عن حكم) أي: عن نسبة شيء إلى شيء نفياً أو إثباتاً (فتصور) وسمي تصوراً لأنه يعلم به صور الأشياء ومفرداتها، ومعنى ذلك أنه يحصل في ذهن الإنسان صورة مطابقة لما في الخارج، ومنه قولهم: تصورت هذا الشيء أي: علمت صورته.
(١) في (ب): ولما يكن. وفي (نخ من البالغ المدرك): ولما أن يكون. وفي (نخ منه أيضاً) كما ذكرنا.
(٢) في (ب): بالنظر.