(فصل: في حقيقة النظر و) ما يجب منه وبيان (أقسامه)
  وهذا يوجب في الكفار كلهم أن يكونوا في تركهم معرفة الله تعالى وغير ذلك من المعارف معذورين.
  فإما أن يقول الخصم يعذرون فيكفر بذلك، أو يقول: لا يعذرون لأنهم جحدوا ما عرفوه ضرورة فلا يخلصه هذا القول؛ لأن الجحود إنما يجوز على العدد اليسير فأما العدد الكثير فلا.
  قال: وقد تعلق الخصم في ذلك بشبه منها: أنه لو لم يكن العلم بالله ضرورياً وكان من فعلنا لكان يصح من الواحد منا أن يختار الجهل بدلاً من العلم في الحالة الثانية من النظر لأن من حق القادر على الشيء أن يكون قادراً على جنس ضده إذا كان له ضد، والمعلوم أنه لا يمكنه ذلك فليس إلا أن المعرفة ليست من فعلنا.
  قلت: والجواب عليهم أن العلم يحصل بسبب النظر، والجهل يحصل بترك النظر، فإذا حصل السبب وحصل المسبب استحال عدم المسبب مع وجوده فلا يكون موجوداً معدوماً كمن يفعل فعلاً بسبب فإن الفعل لا يقف على اختياره بعد وجود سببه.
  قال السيد |: ومن شبههم: أنهم قالوا: إذا لم يعرف المكلف في نظره أنه نظر صحيح مؤد إلى العلم فإنه يجب أن لا يدخل تحت تكليفه ولا يجوز الإقدام عليه؛ لأن الإقدام عليه كالإقدام على الجهل.
  قال: والجواب عن ذلك أنه لا يجب على المكلف أن يعلم في نظره أنه موصل إلى العلم كما أنه لا يجب أن يعلم فيما يتصرف من أحوال معاشه أنه مؤدٍ إلى المطلوب بل يكفي أن يعلم على الجملة في نظره أنه حسن أو واجب وقد تقرر عنده أنه لو كان يؤدي إلى الجهل لكان لا يحسن ولا يجب فعلى هذا الوجه يجوز أن يدخل تحت تكليفه ولا يجب أن يعرف التفصيل.
  وأما الجواب على أبي القاسم فنقول: إنه لا مانع من أن يعلم أهل الآخرة الله