(باب الهجرة)
  (وبيان الاستدلال به) أي بهذا الخبر: (أن التحريم) الوارد في هذا الخبر أي تحريم غموض العين التي رأت العصيان قبل تغييره أو الانتقال إنما هو (لأجل العلم) بوقوعه (مع القرب منه بحيث يمكن أن ترى المعصية) ممن فعلها فالمعنى: لا يحل لعين تعلم العصيان لله تعالى بمشاهدة أو نحوها كأن تكون قريباً منه بحيث يمكن أن تراه لا أن المراد أنه لا بد في التحريم من حقيقة المشاهدة (وإلا) أي وإن لم يكن كذلك (لقال: حتى تغير أو تغمض) لأن تغميض العين لو كان كافياً في إسقاط الواجب لذكره ÷ وكان هو الأولى؛ لأن في الانتقال والهجرة مشاق عظيمة فلا يأمر بها ويحرض فيها بأبلغ تحريض وهو قوله ÷: «فتطرف» أي ترد جفناً على جفن حتى تغير المنكر أو تنتقل أي تهاجر مع إمكان فعل يسير يقوم مقامها وهو التغميض، وهذا فيه من المبالغة والتحريض على إزالة المنكر أو الهجرة ما لا يخفى.
  (و) اعلم أنه (من حمل على فعل معصية) أي أكره على فعلها (وجبت عليه الهجرة إجماعاً) من العلماء كافة وكذلك مع أمر الإمام بالهجرة فتجب إجماعاً.
  قال (أئمتنا $: ومنه) أي ومن الحمل على المعصية (إعانة سلاطين الجور بالغارة) من الرعية معهم وتكثير سوادهم (وتسليم المال إليهم قسراً)، أي الغالب في التسليم إليهم من الرعية إنما هو بالقسر وإلا فلو سلموه بالرضا لكان الحكم واحداً (لما مر) من قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ٩٧}، فإن ظاهر هذه الآية الكريمة أن الرعية الذين يعينون سلاطين الجور بما يتقوون به داخلون تحته.