كتاب المنزلة بين المنزلتين
  صفح الله عنها فالمعنى: إن تجتنبوا العمد يغفر لكم الخطأ فالعمد مثل رجل يقتل رجلاً متعمداً فيكون جزاؤه ما ذكر الله سبحانه من قتله ومصيره إلى جهنم ومن ذلك رجل يزني بامرأة متعمداً فيكون حكمه حكم الزاني الذي تنفذ عليه الحدود، ورجل آخر رمى بسهم طيراً فقتل أباه وهو لا يدري فهذا قاتل وهذا قاتل وكل قد جاء بعظيمة ولم يحكم الله ø على قاتل أبيه وهو لا يدري بما حكم الله به على القاتل الأول من النار والقتل فكان ذنب هذا المخطئ ذنباً مغفوراً غير مأخوذ به ولا معذب عليه والفعل واحد.
  ومن ذلك أيضاً رجل تزوج بمرأة ثم أتي بغيرها فدنا منها ثم علم بعد ذلك فاعتزلها فإتيانه لها كان حراماً ولم يقع عليه اسم الزنى إذ كان جاهلاً بها غير عارف لها فلم يوجب الله سبحانه عليه حداً.
  إلى قوله: فهذا معنى الآية: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} والكبائر والصغائر كلها ينتظمها اسم السيئة، فأراد الله ø: إن تجتنبوا العمد نغفر لكم الخطأ ولا نؤاخذكم به في شيء من الأشياء وذلك قوله سبحانه: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ٥}[الأحزاب]، فأخبر تبارك وتعالى أنه لا جناح ولا عقوبة على مخطئ غير متعمد ثم قال سبحانه: {وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} يقول: ما أضمرتم وأردتم وله من أموركم قصدتم فأنتم به مأخوذون وعليه معذبون، فعلى ما ذكرنا لكم يخرج تفسير الآية، وما أردتم من علمها. انتهى.
  وقال الهادي # في كتاب الجملة: وأن الأنبياء لم تزل مستحقة لثواب الله منذ بعثها الله وأنها لم تكفر قط ولم تفسق ولم تقم على شيء من الذنوب بعلم ولا تعمد وربما أذنبت على طريق الظن وطريق النسيان وأن ذنوبها صغائر مغفورة