كتاب المنزلة بين المنزلتين
  تطرحها العرب وهي تحتاج إلى إثباتها وتثبتها في موضع وإن لم تحتج إليها في مثل قوله: {لَا أُقْسِمُ}[القيامة: ١]، وقوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}[البقرة: ١٨٤]، فطرح الألف وهو يريدها ومن ذلك قول الشاعر(١):
  نزلتم منزل الأضياف منا ... فعجلنا القِرى أن تشتمونا
  وإنما أراد: ألَّا تشتمونا فطرح الألف، ومثل هذا كثير في الكتاب.
  فلما صار يونس في السفينة وركب أهلها واستقلت بهم وطابت الريح لهم أرسل الله حوتاً فحبس السفينة فعلم القوم عند احتباسها أنها لم تحبس بهم إلا بأمر من الله قد نزل بهم فتشاور القوم بينهم وأشفقوا فقال لهم يونس: يا قوم أنا صاحب المعصية وبسببي حبست عليكم السفينة فإن أمكنكم أن تخرجوني إلى الساحل فافعلوا وإن لم يمكنكم ذلك فألقوني في البحر وامضوا.
  فقال بعضهم: هذا صاحبنا وقد لزمنا من صحبته ما يلزم الصاحب لصاحبه وليس يشبهنا أن نلقيه في البحر فيتلف على أيدينا ونسلم نحن ولكن هلموا نستهم فمن وقع عليه السهم ألقيناه في البحر، فساهم القوم فوقع السهم على يونس ثم أعادوا ثانية فوقع عليه ثم أعادوا ثالثة فوقع السهم على يونس فرمى بنفسه فالتقمه الحوت ومضى في البحر وكان يونس # ينظر إلى عجائب البحر من بطن الحوت، وجرت سفينة القوم.
  ولبث يونس صلى الله عليه في بطن الحوت ما شاء الله من ذلك فانسمط(٢) شعره وجلده حتى بقي لحمه ومنع الله منه الحوت فلما علم الله توبته وقد نادى بالتوبة: {أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ٨٧}[الأنبياء]،
(١) الشاعر هو عمرو بن كلثوم والبيت من معلقته المشهورة. انظر دواوين الشعر.
(٢) انسمط بالسين المهملة والطاء المهملة أيضاً قال في الصحاح سمطت الجدي أسمطه سمطاً إذا نضفته من الشعر بالماء الحار لتشوية فهو سميط ومسموط. تمت من (هامش الأصل).