كتاب المنزلة بين المنزلتين
  فاستجاب له وتقبل توبته ورحم فاقته فأرسل ملَكاً من الملائكة فساق ذلك الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر فألقى يونس من بطنه وقد ذهب شعره وجلده وقد ذهبت قوته فرد الله جسمه على ما كان عليه أولاً من تمام صورته وحسن تقويمه وأنبت الله له شجرة اليقطين وهي الدبّا فكان يأكُلها فلما اشتدت قوته واطمأن من خوفه وإشفاقه أرسله الله إلى قومه وكانوا في ثلاث قرى فمضى إلى أول قرية فدعاهم إلى الله وإلى دينه فأجابه نصفهم أو أكثر من النصف وعصاه الباقون فسار بمن أطاعه إلى مَن عصاه لأمره فحملهم عليهم وقاتلهم فقتلهم وأبادهم، وسار إلى القرية الثانية فدعا أهلها وأعذر إليهم وأنذرهم فأجابه منهم طائفة فحمل المطيع على العاصي فقتلهم وأبادهم ثم سار إلى القرية الثالثة وكانت أعظمها وأشدها بأساً ومنعة فدعاهم إلى الله وأعذر إليهم وأنذر وحذر ما حل بإخوانهم فلم يجبه منهم أحد واستعصموا على كفرهم فسار إليهم فخرجوا إليه فحاربهم فلم يقدر عليهم، فلما كان بعد وقت وعلم الله منه الصبر على ما أمره به من طاعته والإعذار إلى خلقه أمر الله جبريل صلى الله عليه فطرح بينهم ناراً ثم أرسل الرياح فأذرت النار عليهم وعلى منازلهم ورحالهم فأحرقتهم جميعاً ودمرتهم.
  فهذا ما سألت عنه من خبر يونس #. انتهى.
  قلت: وظاهر قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ١٤٧ فَآمَنُوا ...} الآية [الصافات]، يخالف هذا، والله أعلم.
  (قالوا) أي من تقدم ذكره ممن ذهب إلى أن خطايا الأنبياء $ عمد: (ما تعمده الأنبياء $) من المعاصي (فصغير منهم لكثرة ثوابهم) فصارت المعصية منهم مكفرة بالثواب فلهذا صارت معاصيهم صغائر لكثرة ثوابهم إذ سقوط عقاب المعصية بالموازنة بينه وبين الثواب وقد علمنا كثرة ثوابهم قطعاً