كتاب المنزلة بين المنزلتين
  فعلمنا تكفير معاصيهم قطعاً.
  (قلنا) جواباً عليهم: كثرة الثواب لا تأثير لها في جعل المعصية صغيرة. يدل عليه ما (قال) الله (تعالى) في حق نبيئنا محمد ÷ وهو سيد الأنبياء وأفضلهم وثوابه أكثر: ({لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ٧٤ إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ) ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ٧٥}[الإسراء]، فدلت هذه الآية الكريمة أن الركون القليل من النبيء ÷ إلى المشركين يحبط ثوابه ويبطله ولو كان كثيراً.
  فثبت أن كثرة الثواب لا تؤثر في جعل المعصية صغيرة، وأن المعصية الكبيرة تحبط الثواب كائناً ما كان.
  قال في الكشاف في معنى الآية: أي لأذقناك عذاب الآخرة وعذاب القبر مضاعفين وأصله لأذقناك عذاب الحياة وعذاب الممات؛ لأن العذاب عذابان عذاب في الممات وهو عذاب القبر، وعذاب في حياة الآخرة وهو عذاب النار والضعف يوصف به نحو قوله تعالى: {فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ}[الأعراف: ٣٨]، بمعنى مضاعفاً فكان أصل الكلام: لأذقناك عذاباً ضعفاً في الحياة وعذاباً ضعفاً في الممات ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه وهو الضعف، ثم أضيفت الصفة إضافة الموصوف فقيل: ضعف الحياة وضعف الممات كما لو قيل: لأذقناك أليم الحياة وأليم الممات.
  قال: ويجوز أن يراد بضعف الحياة عذاب الحياة الدنيا، وبضعف الممات ما تعقب الموت من عذاب القبر وعذاب النار والمعنى لضاعفنا لك العذاب المعجل للعصاة في الحياة الدنيا وما نؤخره لما بعد الموت.
  قلت: ولعل هذا أقرب والله أعلم.