كتاب المنزلة بين المنزلتين
  قال: وفي ذكر الكيدودة وتقليلها مع إتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف في الدارين دليل بيّن على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله وارتفاع منزلته ومن ثم استعظم مشائخ العدل والتوحيد رضوان الله عليهم نسبة المجبرة القبائح إلى الله تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
  قلت: وهذا حق وهو عكس ما ذكره المخالف في هذه المسألة من أن معاصي الأنبياء صغائر لكثرة ثوابهم.
  قال: وفيه دليل على أن أدنى مداهنة للغواة مضادة لله وخروج عن ولايته وسبب موجب لغضبه ونكاله فعلى المؤمن إذا تلا هذه الآية أن يجثوا عندها ويتدبرها فهي جديرة بالتدبر. انتهى.
  ومما يدل على أن كثرة الثواب لا تأثير له في صغر المعصية أيضاً قوله تعالى في قصة الأسرى يوم بدر وأخذ الفدى منهم: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ٦٨}[الأنفال]، وقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ٦٥}[الزمر]، وقوله تعالى في حق أنبيائه $: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ٨٨}[الأنعام]، وغير ذلك.
  إذا عرفت ذلك (فليس ما قالوا) - اي المهدي # والبصرية ومن وافقهم من أن معاصي الأنبياء عمد وهي صغائر لكثرة ثوابهم - (بصحيح) لما ذكرناه.
  (و) أيضاً فإن لنا دليلاً آخر من العقل على أن معاصي الأنبياء $ لا عمد فيها وهو أنه (لا خلاف) بين الأمة (في وقوع خطايا الأنبياء $) لأن الله سبحانه قد أخبر بها وهو أصدق القائلين (فإن تعمدوها لأجل تعريفهم أنها صغائر) أي لأجل إعلام الله سبحانه إياهم أنها صغائر لا عقاب عليها (فذلك إغراء) منه تعالى لهم بفعلها (وهو) أي الإغراء بفعلها (لا يجوز على الله تعالى)؛ لأن الإغراء بفعل القبيح قبيح، (وإن تعمدوها جرأة على الله تعالى