كتاب المنزلة بين المنزلتين
  النفس والتركيب. ألاَ ترى أنك إذا رأيت شيئاً حسناً أعجبك وحسن في عينك، وإن لم تهم به لتطلبه، وتأخذه غصباً من أهله. وكذلك إذا رأيت طعاماً طيباً، و لباساً حسناً أعجبك، وتمنيت أن يكون لك مثله، وأنت لا تريد بإعجابك به أخذه ولا أكله، إلا على أحل ما يكون وأطيبه.
  قلت: فالبرهان الذي رآه يوسف صلى الله عليه ما هو؟
  قال: هو ما جعل الله فيه من علمه وخصه به والخوف من علانيته وسره ... إلى آخر كلامه # في هذا المعنى تركته اختصاراً.
  ومن ذلك قصة موسى صلى الله عليه في سؤاله الرؤية قال إبراهيم بن المحسن العلوي: وسألته - يعني الهادي # - عن قول موسى ~: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي}[الأعراف: ١٤٣].
  قال #: معنى قوله: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} فهو أرني آية من عظيم آياتك، أنظر بها إلى قدرتك، وازداد بها بصيرة في عظمتك وقدرتك، فقال: {لَن تَرَانِي}، يقول: لن تقدر على نظر شيء من عظيم الآيات التي لو رأيتها لِضُعفِ جسمك، ولطف مركبك، لأَهْلَكتْكَ ولما قدرت على النظر إليها لعجزك وضعفك، ولكن انظر إلى هذا الجبل الذي هو أعظم منك خلقاً، وأكبر منك جسماً؛ فإن استقر مكانه إذا أَرَيْتُه بعض ما سألتني أن أريكه فسوف تراني، يقول: فسوف ترى ما سألت من عظيم الآية، ولن تقدر على ذلك أبداً، ولا تقوم له أصلاً. {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}، معنى تجلى ربه: أي أظهر آيته، وأبان قدرته جعله دكاً. {وَخَرَّ موسَى صَعِقًا}، يقول: مغشياً ميتاً لما رأى من الهول العظيم الذي لا يقدر على رؤيته لعجزه وضعفه بأن كان الذي أظهره الله وأبانه من لطيف آياته، فجاز أن يقول: تجلى ربه لما كان ذلك من فعله وتدبيره، وأمره وإرادته وهو كقوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إلا أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ}[البقرة: ٢١٠]،