(فصل: في حقيقة النظر و) ما يجب منه وبيان (أقسامه)
  الإنسان مشتهياً ونافراً والعلم (بأنا نروى بالماء ونشبع بالطعام) فعلمنا بأنا ندرك بالنظر والاستدلال معلوماً عقلياً كعلمنا بأحوال النفس من شهوتها ونفرتها إذ هو بعض أحوال النفس.
  (و) أما (قولكم: يدرك الإمام والشيخ ما يناسب حروف القرآن وغيره من المغيبات ضرورة) فهو (مجرد دعوى منهما عليكم بلا دليل) على صحة دعواهما وكل دعوى لا دليل عليها فهي باطلة لا سيما إذا استلزمت إنكار ما علم بضرورة العقل.
  وأيضاً ما الفرق بينكم وبينهما (حيث لم تدركوا ذلك) أي: المناسب والمغيبات (ضرورة مثلهما) إذ لا فارق بينكم وبينهما لأنهما ادعيا ذلك بغير دليل يدل على صدقهما فلا مخصص لهما بصحة هذه الدعوى دونكم فلو صح علمهما لما ادعياه ضرورة بغير دليل لعلمتم أنتم ذلك بغير دليل؛ لأنكم وإياهم جنس واحد (و) لكنكم (لم تنظروا في صحة دعواهما لبطلانه) أي: النظر (عندكم) فدلسا عليكم بذلك وهو معلوم بطلانه، (وكل دعوى بلا دليل لا شك في بطلانها).
  (وإلا) تكن باطلة (فما الفرق بين دعواهما ودعوى من يقول) من سائر الناس إن (المناسب) للحروف (والغائب) أي: المعلوم الغائب (خلاف ذلك) الذي ادعاه الإمام والشيخ.
  وقالت (المجبرة) كافة: (لا يجب) النظر (إلا سمعاً) بناء على أصلهم من إنكار التقبيح والتحسين العقليين، وأنه لا معنى للقبيح إلا النهي عنه ولا للحسن إلا الأمر به ولا فعل للعبد ولهذا قال الرازي في محصوله: ليست معرفة الله سبحانه ولا النظر فيها مقدورة وجعل الأمر بها وبالنظر في قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}[محمد: ١٩]، و {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ}[يونس: ١٠١]، أحد الأدلة على تكليف ما لا يطاق ذكر هذا عنه القرشي في منهاجه. قال: وهذا قول ظاهر التهافت ويكفي في شناعته أنه إقرار بالجهل بالله تعالى؛ لأن المعارف عنده نظرية