كتاب المنزلة بين المنزلتين
  إبليس وأخرجه به من الجنة ولعنه بأكبر مما جاء به إبليس ولا يرون عليهم في ذلك شيئاً فيقول أحدهم للآخر: أتكلمني وتساويني في المجلس وأنا ابن فلان العابد أو الملك الجبار المعاند أو الموسر.
  إلى قوله: وهذا فأكثر من استكبار الشيطان أو مثله غير أن الكفر والجحد والكبر يختلف فبعضه أعظم وأجل إثماً وعقاباً من بعض فمنه ما يزيل عن الملة فيوجب سفك الدماء وإحلال المال والسبي، وبعضه يوجب الحدود التي ذكرها الله وليس ما أوجب الحدود مزيلاً عن الملة؛ لأنه لا يجتمع وجوب سفك الدم والسبي وغنيمة المال وإقامة الحدود في حال واحدة.
  ومنها ما يوجب الأدب والزجر اللذين جاءت بهما السنة عن رسول الله ÷ ولا ينبغي لمسلم أن يقول لمسلم مثله: يا كافر ويا جاحد عند معصية تكون منه فيسبق إلى الأفهام والعقول أنه أراد الكفر والجحد المزيلين عن الملة ولم يرد الكفر بركوب معاصي الله وترك شكر نعمه وإن كان هذا الاسم واقعاً على جميع الذنوب في اللغة. انتهى.
  وهو يدل على أن أسماء الكفر والنفاق باقية على معناها اللغوي وكذلك اسم الشرك كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وعلى أن المنافقين عهده ÷ سواء كانوا ممن أسر الجحد وأظهر الإقرار أو أظهر الطاعة وأبطن العصيان يسمون مسلمين وحكمهم حكم أهل الحدود في معاملة الدنيا لا في معاملة الآخرة، وهذا لا بعد فيه وهو الذي يدل عليه فعل النبي ÷؛ لأنه لا دليل يدل على أن الشارع منع من تسميتهم مسلمين بل أثبته بقوله تعالى: {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}[الحجرات: ١٤].
  قال الحسين بن القاسم #: معنى أسلمنا أي لم نحارب، وذلك على أصل وضع اللغة وهو الانقياد، ومن أظهر الإسلام والتزم أحكامه في الظاهر حكم له