كتاب المنزلة بين المنزلتين
  حلها ولم يأكل أموال الناس ولا أموال اليتامى ولم يحرم لله حلالاً فيتركه ولم يحلل لله حراماً فيفعله وكان بالله عارفاً وعن محارمه واقفاً كافراً(١) في قولكم حقاً فإن هذين المعنيين متضادان لا بد أن يفترق معناهما ويختلف سبيلهما فيكونا باختلافهما متباينين ويكون أهلهما والفاعلون لهما أيضاً مختلفين فيجب ما وقع لفاعل أحدهما اسم وقع ضد ذلك الاسم لفاعل الصنف الآخر والاسمان المتضادان هو الإيمان والكفر فحيث وقع اسم الكفر فليس يقع معه اسم الإيمان، وحيث وقع اسم الإيمان فلن يقع معه اسم الكفر لأن الاسمين مختلفان متضادان ولا يجتمعان في معنى واحد كما لا يجتمع ليل ونهار في حالة واحدة ولا حياة ووفاة على جسم واحد في حالة واحدة فلا بد لمن سأل عن مثل هذا القول أن يقول الحق فيعلم أن الإيمان مع الطاعة وأن الكفر مع المعصية إلى آخر كلامه #.
  وهو قريب من كلام الناصر # ويمكن التلفيق بين كلامي الهادي # بأن يقال مراده بقوله إن الفاسق لا يكون كافراً ولا مشركاً أي لا يجري عليه حكم اسم عباد الأوثان ونحوهم من السبي ومنع التوارث والقتل إلا في المواضع المعروفة كالباغي والزاني المحصن وقاتل العمد ونحو ذلك.
  ومراده # بقوله: إن الله لم يجعل الفسق كالكفر يعني في تلك الأحكام المخصوصة؛ إذ لا خلاف أن أحكام العصاة في الدنيا مختلفة منهم من أمر الله فيه بالقتل والسبي، ومنهم من يقبل منه الجزية ومنهم من لا يقبل منه، ومنهم من أمر بقتله وصلبه أو قطع يده ورجله من خلاف، ومنهم من أمر بإقامة الحدود عليه وأخذ حقوق الله منه وغير ذلك من الاختلاف، ولا يلزم من اختلاف الأحكام في الدنيا اختلاف الأسماء؛ لأن اختلاف الأحكام في الدنيا لأدلة دلت
(١) قوله (كافرا) خبر (يكون) والله أعلم.