كتاب المنزلة بين المنزلتين
  (و) اعلم أنه (لا) يجوز (إكفار ولا تفسيق إلا بدليل سمعي) لأن ذلك كلام في مقادير العقاب وخوض في إجراء الأسماء والأحكام وغير ذلك من الأمور الغيبية التي لا تعرف إلا من الشرع وهذا معنى قوله #: (لأن تعريف معصيتهما) أي كونها موجبة للكفر أو للفسق (لم يثبت إلا بالسمع إجماعاً) من العلماء كافة (قطعي) أي دليل مفيد للعلم قطعاً (لاستلزامهما) أي الإكفار والتفسيق (الذم والمعاداة) لصاحبهما لكونه عدو الله (والقطع بتخليد صاحبهما في النار إذا لم يتب) عن ذلك (وجميع ذلك) أي الذم والمعاداة وتخليد صاحبهما في النار (لا يجوز إلا بقاطع) أي بدليل قاطع (إجماعاً) بين المسلمين.
  ولقوله ÷: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها حقنوا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله»(١).
  وقوله ÷: «كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها».
  وهذه أدلة معلومة ولا يجوز الانتقال عن المعلوم من الأصول إلا بقاطع لأنه يكون تركاً للمعلوم إلى مظنون وهو لا يجوز ولهذا لا يجوز نسخ الأدلة المعلومة بالمظنون.
  قال الإمام المهدي #: وجملة الأمر أن الطريق السمعي ليس إلا أحد ثلاثة أشياء: إما نصاً جلياً متواتراً كقوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}[المائدة: ٧٣]، أو في حكم النص وهو الذي علم من دينه ضرورة كما علم
(١) رواه الإمام الهادي # في الأحكام، ورواه الإمام المهدي محمد بن المطهر بن يحيى # في عقود العقيان، ورواه أبو طالب # في الأمالي عن أنس والمؤيد بالله # في شرح التجريد عنه وعن جابر، ورواه البخاري في صحيحه، ومسلم في صحيحه، والنسائي في سننه، والترمذي في سننه، وأبو داود في سننه، وابن ماجه في سننه، وغيرهم.