(فصل: في حقيقة النظر و) ما يجب منه وبيان (أقسامه)
  وحمرانهم من كل الأجناس معرفة طباع وفطرة لا يحتاج معها إلى نظر وفكرة.
  إلى قوله #: كل من خلق سبحانه من خليقته فهم مفطورون على معرفته بأبين معرفة أنه ليس له نظير ولا صفة كما يعرف الأطفال بإلهام الله آبائهم بغير فهم ولا فكرة، بل بما ركب فيهم من غريزية الطباع والفطرة، وكذلك يقال فيما قد اتفقت به الأخبار وجاء في كثير من الآثار أن الملائكة والجن والإنس والبهائم كلها والأطفال مفطورون على معرفة الصانع الإله البارئ ذي الجلال والإكرام فللملائكة في المعرفة به وبجلاله وعظمته أفضل ما(١) للجن والإنس والبهائم.
  إلى قوله #: وكل بني آدم من أهل الإيمان والمشركين فيثبتون الله صانعهم وصانع جميع ما يرون لا يشكون في ذلك ولا يمترون وإن ضلوا بعبادة الأوثان إلى آخر كلامه #.
  قلت: ويدل على صحة قوله # ما حكى الله سبحانه عن النملة في قوله: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ...} الآية [النمل: ١٨]، وعن الهدهد في قوله: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ...} الآية [النمل: ٢٥]، وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ}[النور: ٤١]، والضمير في «علم» يعود إلى «كل» على أحد التفسيرين وهو الوجه، وقوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ...} الآية [الروم: ٣٠]، قال في الكشاف: ولا يمتنع أن يلهم الله الطير دعاءه وتسبيحه كما ألهمها سائر العلوم الدقيقة ولا يلزم من هذا أن تكون مكلفة لأن العقل علم زائد على هذا والله أعلم.
  يوضح ما ذكرناه قول الله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ٨}[الشمس]،
(١) في كتاب الهجرة: مما.